ثلاث قصص


                                   

 

(بين ثورتين)

نظرت ثورةٌ قام بها شعبٌ في إحدى البلدان بدهشة الى الدّمار الهائل الذي ألحقه تسونامي في مدينة ساحلية، شعرتْ بالأسى العميق وهي تتأمل آلاف الضحايا من القتلى والجرحى والمشردين، وتستمعُ الى صرخات الأمهات الثكالى، وأنين الذين دُفنوا أحياءً تحت الأنقاض، فتوجّهتْ الى الطبيعة بسؤالٍ مُترعٍ بحمّى الانفعال: أنا ثورةٌ قامتْ ضدّ الظلم والاستبداد، أما أنتِ فما هي حُجّتُكِ وما هي مُبرراتُكِ؟ ابتسمتِ الطبيعةُ ثم أجابتها قائلةً: أنا ثورةٌ ضدّ الظلم والاستبداد الذي يُمارسُهُ الانسانُ بحقّي، أنا الاحتجاجُ العظيمُ الذي تقفُ البشريةُ عاجزةً عن مُواجهته والتصدّي له، على العكس مما يحدث معكِ، لأنّ اضطهادي هو اضطهادٌ للحياة ذاتها، ولا يُمكنُ للحياة أن تسمحَ أبداً للهزيمة بالاقترابِ منها، ثم تنهّدتْ بحبور وأردفتْ: ما أسعدني في نجاحي الدائم بالانتقام لكرامتي وحقوقي التي يحاولُ البشرُ انتهاكها، شعرتْ ثورةُ الانسان بالمرارة الشديدة الممزوجة بالغيرة ولم تنبسْ ببنت شفة.

 

(الفيلسوف الإنساني)

 وقف الفيلسوف الإنساني بالقرب من حافّة بركان الطائفية، فتح دفتره الكبير وبدأ يقرأ بصوتٍ يفيضُ دفئاً ومحبةً ما خطّهُ يراعُهُ عن التعايش السلمي بين مختلف الأديان والطوائف، وتقبّل الآخر والتسامح والارتقاء بمستوى الحوار الى أعلى درجات التمدُّن، تابع بصوته الرخيم حديثه عن احترام الاختلاف في الرأي..، عن شجرة العائلة الإنسانية التي بدأت من جذعٍ واحدٍ وانتهت أغصاناً مُتفرّعة في مختلف الاتجاهات، تحدث عن أفضل السُبُل لمنع تلك الأغصان من التحوّلِ الى أغصانٍ تقطُرُ دماً، صفّقَ له أتباعُهُ الذين يُعدُّون بالآلاف بحماسةٍ لا نظيرَ لها، هتفوا للإنسانية... للمحبة وللمستقبل المشرق، لكنّ بركان الطّائفية الذي ظلّ خامداً مئات السنين انفجر فجأة مُطلقاً الجحيم، فاختفى الفيلسوف الإنساني النبيل مع أتباعه تحت جبال النيران وذابوا في لحظات.



 

(الطيور)

 من شرفة منزلي المطلّ على الشارع العام، رأيتُ الأفكار طيوراً تحومُ فوق رؤوس أصحابها، كان بعضُها أسود.. والبعضُ الآخر أبيض، بعد فترة قصيرة هبّتْ رياحُ ظروفٍ إعصارية عصفت بالطيور وبأصحابها، فاختلطتْ بعضها ببعض في زوبعةٍ لم تتلاش الا بعد مُضي زمنٍ طويل، ولم تلبثْ أن عادتْ للتحليق من جديد... لكنّ توزيعها على الرؤوس تغيّر.

 

 

أسامة الحويج العمر

 
 
Whatsapp