سوناتا الجمال


                                       

الحركة الأولى 

قالت: 

- ليتني أتحكم بمشاعري مثلما يتحكم (الروموت كنترول) بالتلفاز. رشفت من قهوة الصباح ثم تابعت: 

- ليتني (أفرمت) ذاكرتي مثلما تفعل ابنتي مع الحاسوب حين يجمّده الفيروس. التحكم بالمشاعر صواب أم خطأ؟  أن تحب، تكره، تقبل، ترفض متى تشاء. عيب أم ميزة؟ تمسخ غير المرغوب من حياتك، تاريخك، وتعيد التجزئة لترتيب الملفات المبعثرة هنا وهناك.  الملفات التي تنكد عيشك وتبطئ نبضك. تعمد إلى "الفرمتة" حين يستفحل الفيروس الدخيل وتبدأ من جديد، تماما مثل تنظيف الحاسوب. 

قلبت فنجان القهوة، داعبته قليلا وتابعت هامسة: 

- التكنولوجيا باعدت ما بيننا وقربتنا. جعلت الكل واحداً والواحد كلاَ. نرجستنا. وسّعت علاقتنا. طافت بنا عبر القارات. جعلتنا نسمع أنين الأطفال وآهات الرجال وتأوهات النساء. شغلتنا بالبحث عن صورتنا في الشاشة. أعطتنا العالم وأخذتنا من ذواتنا. الشاشات السائلة.. أغرقتنا.

ابتسمتْ حين شعرت بغرقي فيها ثم سألتني: 

- هل من الصعب حقًا "فرمتة" الحياة ؟!

 

الحركة الثانية

قلت متأملا إبطيها:

- الغرب "فرمت" نفسه ووضع الشرق دريئة للتجريب. الشرق تعرّضَ ويتعرّضُ وسيتعرضُ دومًا "للفرمتة". العباسيون "فرمتوا" الأمويين. المماليك فرمتوا العباسيين. العثمانيون فرمتوا المماليك. الاتحاديون الترقّيون فرمتوا العثمانيين. والغرب بعث لنا المفرمتان سايكس وبيكو.

سألتني، وهي تعقد شعرها قبل أن تنصرف:

- لماذا الإبط؟ 

انتظرتُ فراغها من عقد شعرها وإسدال ذراعيها ثم قلت:

- لا أدري، ولكن ألم تخلق أمّنا حواء من ضلع أبينا أدم؟

ضحكت وقبل أن تغادر قالت:

- يلزمك "فرمتة".

 

الحركة الثالثة 

فرحتُ عندما طرقتُ باب المكتب ولم أجدها. فرحتُ أكثر، حين رأيتُّ مِعطفها، دنوت منه ثم شممته. فاحت رائحة البساتين، وكروم العنب، وعناقيد العنب المبرّد، ونبيذ العنب.

ابتعدت عن المعطف شاكراً له وفاءه لعطرها، وكرم الضيافة، وقبل أن تعود لمكتبها خرجت.

 

الحركة الرابعة  

ذات صيف، في غابة قريبة من حلب، صرخ ابني: حيّة، حيّة تسعى. لمحتها صغيرة تزحف مسرعة، لحقت بها بين أشجار الصنوبر والتقطت حجراً، حين توقفتْ نظرت إلى عيني، فتحتْ فمها وشخرت حين هممت التسديد.

 أحسست بان الكون توقف، رأيت لوحة تنطبع على روحي،  يدٌ مرتفعة وأفعى صغيرة. رفعت الأفعى رأسها، دفعت بصدرها، ثم جلست على ذيلها،  تنتظر بدء المعركة. 

رميتها بالحجر وأخطأت. بقيت الأفعى ساكنة. نظرت إليّ كأنها تأكدت من رغبتي وخوفي. تركتني وسعت إلى مكمنها، ليت ابني الذي  - كان يتفرج علينا- قد حمل الكاميرا وصور اللقطة، لتكون شاهدة على الجمال.  

 

 علاء الدين حسو 

كاتب وإعلامي

 

 

Whatsapp