مسار الاحتجاجات الإيرانية إلى أين؟


 

عام 2009 شهدت إيران احتجاجات كبيرة انتشرت في كافة المدن، وكانت هذه الاحتجاجات لرفض نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعيد فيها انتخاب أحمدي نجاد للرئاسة. وفي كانون الأول من عام 2017 خرجت مظاهرات كبيرة من مدن مشهد وقم وأصفهان ضد غلاء الأسعار وسوء الأوضاع المعيشية، وما ميز هذه الاحتجاجات أنها خرجت من المدن التي تعتبر الأكثر تأييدًا للنظام الإيراني وخاصة مدينة " قم الدينية". والآن انطلقت موجة جديدة من المظاهرات العارمة في كل أنحاء البلاد، حيث وصل عدد نقاط الاحتجاج إلى أكثر من 105 نقاط. وخرجت هذه التظاهرات احتجاجًا على رفع الحكومة لأسعار المحروقات وفرض مزيد من الضرائب. وقد قتلت القوات الإيرانية أكثر من 106 من المتظاهرين حسب منظمة العفو الدولية، أغلب القتلى من مناطق الأحواز والمناطق الكردية، وقد تسببت أيضًا بإحراق وتوقيف أكثر من 50 مصرف في أنحاء البلاد. وقد بدأت هذه المظاهرات من الأطراف ثم انتقلت إلى مراكز المدن وأهمها العاصمة الإيرانية طهران. 

وفي القراءة الأولية للسياسة  الإيرانية نجد أن دولة الملالي مارست سياسة تصعيدية في كثير من الملفات العالقة عبر سياستها الخارجية وأهمها قضية البرنامج النووي الإيراني، وملف التفاوض مع المجتمع الدولي  بوساطة أوربية، حيث لم تلتزم إيران بأي من تعهداتها تجاه المجتمع الدولي، من أجل تخفيض انتاجها من اليورانيوم، وبيع الفائض إلى الدول الأخرى، وعدم زيادة أجهزة الطرد المركزية التي تنتج اليورانيوم 235 الذي يستخدم في الصناعات العسكرية، لكن رفعت إيران مؤخرًا من نسبة إنتاجها في مادة اليورانيوم من 204 كيلو إلى 300 كيلو غرام ، وزادت أجهزة الطرد المركزية إلى 12 ألف جهاز بعدما كانت 6 آلاف جهاز. وبذلك لم تلتزم إيران بتعهداتها للمجتمع الدولي وأحرجت الدول الأوربية الضامنة للاتفاق، وأيضًا الدول التي كانت تعتبر مساندة لها مثل روسيا والصين اللتين أجبرتا على قبول العقوبات الدولية على إيران، ولا ترغب روسيا أن تمتلك إيران السلاح النووي وهي دولة مجاورة لها، الأمر الذي يمكن أن يشكل تهديدًا لمصالحها في منطقة القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى، إذا ما امتلكت إيران السلاح النووي، بينما روسيا تدعم إيران من أجل الوصول إلى الطاقة النووية السلمية، وتريد أن تكون إيران شريكًا في المنطقة ضد انتشار حلف الناتو، بالإضافة إلى أن إيران تعتبر سوقًا كبيرًا للسلاح الروسي، وأيضًا روسيا هي التي تبني المفاعلات النووية الإيرانية . والصين لا ترغب بخروج منافس قويًا لها في المنطقة. 

التصعيد الإيراني في عدم التزامها ببنود الاتفاق النووي، وتوسع سياساتها العدائية في المنطقة وتعرضها للناقلات البحرية التي تحمل البترول، دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى رفع مستوى العقوبات الاقتصادية، وهي الاستراتيجية التي اتبعتها أميركا للضغط على إيران من أجل تغيير سلوكها العدائي والتوقف عن إنتاج اليورانيوم. 

من الممكن أن نطلق على الاقتصاد الإيراني سمة الاقتصاد الريعي، بسبب أن أكثر من 80 بالمئة من اقتصادها يعتمد على تصدير موارد الطاقة، وعندما فرضت الولايات المتحدة الأميركية العقوبات على قطاع الطاقة، وبدأ الاقتصاد الإيراني ينهار حتى تدنى سعر صرف الريال إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار، بالإضافة إلى أن إيران كانت تدعم نظام الأسد بمساعدات مالية وشحنات من الأدوية وما شابه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حزب الله في لبنان. لذلك أجبرت الحكومة على رفع أسعار المحروقات والضرائب على كثير من السلع لتعويض النقص الذي حصل في الاحتياطي النقدي، ومن أجل الانفاق على الموازنة العامة للدولة. لذلك انتفض الشعب الإيراني ضد سياسات الدولة في دعم نظام الأسد وغيره من الميليشيات، ومن السياسة الخارجية التي أدت الى فرض العقوبات الاقتصادية الخانقة. 

هذه التظاهرات سوف يكون لها تأثير كبير على إيران،  بسبب أنها شملت كافة أنحاء البلاد، والأهم أنها ترافقت مع خروج احتجاجات في كل من لبنان والعراق، حيث ينددون بالتدخل الإيراني في بلادهم، أي أن إيران أصبحت في مواجهة احتجاجات  داخلية وخارجية من الدول التي تعتبر مراكز جيو سياسة لها ، ترافق ذلك أيضًا مع وجود تشدد دولي تجاه سياسيات إيران العدائية تجاه الدول المجاورة، والقيام بأعمال تخريبية في الخليج العربي ومضيق هرمز، الأمر الذي أدى إلى إنشاء تحالف دولي لحماية الملاحة في مضيق هرمز من الأعمال العدائية لإيران، هذا التحالف الذي يمكن أن يكون أداة تهديد مستقبلية على إيران . لذلك فإن هذه الاحتجاجات سوف يكون لها الأثر في تغيير سلوك إيران الحالي، مع أن الاعتقاد السائد يشير إلى أن السلطة في إيران لن تتنازل للشعب بسهولة، بل على العكس تمامًا سوف تصعد من قبضتها العسكرية وسوف يكون هناك الكثير من القتلى. ولن يكتب النجاح لهذه الاحتجاجات إن لم يكن هناك بعض الدعم الدولي لها. 

 

 

حسن الشاغل 

كاتب سوري

 
Whatsapp