ربيعٌ جديد تشهده المنطقة، فبعد موجة الربيع العربي في عام 2011 ظنَ البعض أن الثورات انتهت عند سورية لما شهدته من مجازر واعتقالات وتهجير بحق الشعب السوري.
في الأيام الأخيرة انطلق ربيع 2019 وعنوانه مواجهة الفساد والإفساد والعبث الإيراني في الوسط العربي وكانت مع اندلاع المظاهرات في لبنان بعد أزمة اقتصادية خانقة وهبوط سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار بعد ثبات السعر لأكثر من 20 سنة.
بدأت المظاهرات بعد فرض ضرائب جديدة منها 6 دولار على تطبيق الواتس آب اندلعت بعدها الاحتجاجات والمظاهرات لتعم جميع المحافظات اللبنانية ومن بينها بيروت وطرابلس، وتم من خلالها قطع الطرق الرئيسية وتعطيل البنوك وإعلان إضرابًا مفتوحًا.
ظهر بعدها سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية في مؤتمر صحفي وأعطى لنفسه وللأطراف اللبنانية الأخرى مهلة 72 ساعة لحل المشكلة. قدم بعدها ورقة إصلاحية تتضمن تخفيض الضرائب وتوفير فرص عمل والتأمين الصحي وبعض الاصلاحات. لكنها لم تنل رضى الشارع اللبناني واستمرت التظاهرات في معظم المناطق إلى أن قامت مجموعة من الشباب تتبع حزب الله بدخول ساحة رياض الصلح في العاصمة بيروت والاعت
داء على المتظاهرين وتكسير الخيم مما أدى الى إعلان سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة بعد 12 يوم من التظاهرات.
استمرت بعدها المظاهرات والمطالبة برحيل جميع الطبقة السياسية الحاكمة وإعلان حكومة تكنوقراط لقيادة البلاد وإلغاء الطائفية والحزبية.
خلال ذلك وجه نصر الله ونبيه بري رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية ميشيل عون كلمات للمتظاهرين حاولوا جميعهم تحذير اللبنانيين من الفوضى والانهيار الاقتصادي الذي سيعم البلاد لو استمرت الاحتجاجات، وأن هناك أيدي خارجية تحاول العبث بأمن لبنان وسفارات تدعم المتظاهرين وكأن المظاهرات قائمة في بلد عربي يحكمه رئيس ديكتاتوري. لم يأبه الشعب بل زادت المظاهرات بعد كلمة الرئيس عون الأخيرة وكلمته المستفزة للشعب، ممن لم يعجه الوضع في لبنان بإمكانه الرحيل والسفر؟!!
واستمر المتظاهرون بقطع الطرق وسقط أول شهيد من المتظاهرين وهو علاء أبو فخر وإلى اليوم تستمر المظاهرات، فالشعب اللبناني أعطى درساً مهماً في الحرية والمطالبة السلمية بحقوقه والتعبير عن سلميته بفرح. لكن أين سيذهب لبنان بعد كل هذه التظاهرات وهل سيشهد حرباً أهلية جديدة أم أن الشعب أصبح واعياً لما يحيط من حوله؟ هل ستقف السعودية وأميركا مع مطالب المتظاهرين وتلغي اتفاق الطائف الذي أتى بالطبقة الحاكمة الآن أم أنهم سيبقون صامتين عما يجري؟
تزامناً مع مظاهرات لبنان انطلقت الاحتجاجات في العراق لكن الوضع كان مختلفاً فقد شهدت المظاهرات منذ اليوم الأول أحداثًا دامية وسقوط عدد من القتلى والجرحى. بدأت المظاهرات احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية للبلاد والفساد الإداري والحكومي والبطالة والتدخل الإيراني للعراق، دعا فيها المتظاهرون إلى إسقاط الحكومة وإجراء اصلاحات واسعة وتغيير النظام السياسي الحالي وعدم السماح لإيران بالسيطرة، كما تم من خلال المظاهرات حرق العلم الإيراني واقتحام القنصلية الإيرانية في كربلاء ما يعني غضب العراقيين من ازدياد النفوذ الإيراني في العراق، والمميز في الأمر أن شيعة العراق كانوا الأعلى صوتًا ضد التدخل الإيراني.
استمرت الاحتجاجات رغم سقوط العدد الكبير من القتلى والجرحى وقطع الطرق والاتصالات والانترنت في جميع أنحاء العراق، انضمت بعدها إلى الاحتجاجات النقابات المهنية مما أعطاها قوة وجعلها أكثر شرعية لنيل المطالب. بلغ عدد القتلى 323 قتيل و إصابة ما يقارب 15 الف جريح في المظاهرات، واتهمت فيها بعض دول الأوربية ونواب في البرلمان العراقي الحكومة العراقية بالإفراط في استخدام القوة ضد المتظاهرين لكن إلى أين سيمضي العراق وهل ستتوقف إيران من التدخل في الشئون الإيرانية هل سيستمر حمام الدم بالنزيف على الجرح العراقي وماذا بعد الاحتجاجات هل ستستجيب الحكومة لمطالب المتظاهرين؟؟
كما شهدت بعض المدن الإيرانية انطلاقًا من الأحواز العربية وشهدت احتجاجات كبيرة وتعتبر الأضخم من حيث العدد منذ فترة خرج فيها المتظاهرون بعد قرارات الحكومة الأخيرة برفع أسعار الوقود وسوء الأوضاع الاقتصادية والبطالة والتدخل الإيراني في شؤون عدد من الدول.
تمت مواجهة المظاهرات بالعنف والقمع وسقط عددًا من القتلى والجرحى وتم قطع الانترنت في جميع أنحاء البلاد واتهم النظام الإيراني أيادي خارجية ومنها اسرائيل بتفاقم الأزمة وتهويلها عبر الإعلام.
وأخيراً شهدنا في الدول الثائرة لبنان والعراق وإيران نزع ثوب الطائفية من المتظاهرين وعدم الانجرار مع الأحزاب الطائفية وكان الشعار الوحيد لجميع المتظاهرين الوطن والنهوض فيه، وكذلك وعي المتظاهرين لما يجري حولهم. فهل استفاقت الدول التي تفرض إيران سيطرتها عليها وهل المشروع التوسعي الإيراني سيفشل ويتوقف مع استمرار هذه الاحتجاجات؟؟ وهل ستشهد المنطقة تغيير جذري وحصر الدور الإيراني وامتداده في المنطقة؟
ويبقى السؤال: هل لترديد المتظاهرين نفس الشعار والمطالب وهي عدم السماح لإيران باستمرار التدخل؟ إذ يبدو أن ربيع 2019 سينهي هذا التغول الإيراني في دولنا العربية وأن كل مطالب المتظاهرين ستتحقق شريطة البقاء بالتظاهر العابر للطائفية، وهذه الدول وهؤلاء الشباب يستحقون حياة أفضل من هذه الحياة، وهذا النهوض هو إيذانًا بنهوض حقيقي لدول الربيع العربي بعد كل سنين القحط السياسي والتخلف والاستعمار غير المباشر لهذه الدول فآن الأوان لتصبح دولًا حديثة حيث الشعب فيها يختار ويراقب ويقبل بالحاكم أو ينزعه.
آلاء العابد
كاتبة سورية