من ذاكرة الرمل


 

 

 

 

أنا....

لم أنادمْ "موسليني" و"هتلر"

لم أقْعُ يوماً على باب إحدى البغايا

ولم أشرب الخمر قطُّ

أنا لم أكن جنرالاً

ولا رقماً في جداول أحفاد "نيرون"

كنتُ..

أنا.

ولا شيء يا صاحبي غير ذلكْ

ورقعة ثوبي بقايا أصابع أمي 

وآخر تعويذة سفحَتْها على وجعي

(تراه سيهدأ يوماً

كما الآدميِّ

وتيبس قرب الجبين/ الحريق

حروف المهالكْ

أشكُّ..)

(وهذا الكلام لطيّبة الذِّكر أمي)

(أشكُّ

ففي مقلتيكَ أرى.. آه مما أرى)

أيَّ شيء ترين؟؟

أكرّر قولي وأسألُ: أيَّ شيء ترين؟؟

تذوب بأقصى الصقيع حروفي

ويمتدُّ ليليً

يمتدُّ أسْوَدَ.. أسْوَدَ حالكْ

وترحل أمي

وتنكسر كل المرايا

وأجلس حيث البقايا دقائق تمضي

وريح تئزُّ

وأحذية، جثث، وصراخ

صراخٌ وصمت مقيتْ

وأجلس

لا شيء حوليَ...

(يا أنتَ

أنتَ متى ستموت؟!)

هنا غابتي

وهنا أول الخطوات 

وأول عشق وآخر عشق

وأطول ليل وأقصر ليل

هنا كل ما كان من ذكريات

فكيف أموتْ

(أذنتُ لك الآن

فلتبرح الأرض يا ولدي...)

(وهذا كلام أبي طيّب الله مثواهْ)

-      أما قلت لي مرة إنها (بلدي)

أجبتُ 

وأوغل طيف أبي في الغيابْ

حقيبة حزني تلمّ بقايا سؤالي

وحفنةَ قمح وبعضَ الترابْ

وصوتاً أجشَّ يزمجر:

(يا أنت، أنتَ متى ستموت).

وأصرخ في الصوت

يا أنت، أنت قل لي بحقّ الإله:

متى سأموتْ

وأصرخ:

قلْ أيها الصوت 

قلْ أو فدعني أهزُّ جذوع الطريق

وآكل خبزي

أضمّدُ جُرحي

أبول كما يقتضي العرف

أرسم فوق الغبار بقية يومي

وألعق ملحي 

وأُسقِطُ في بركة اليأس بعض حروفي

أُسيِّر في وجع الليل قافلة من أنيني

ففي فجوة الكهف ما زال لي رفقة يحلمون

أنا الطفلُ

لستُ على كل حال أميراً، ولا جنرالاً

أنا الطفل 

أمي مؤبّدة الصمت حالَ أبي

وبساتين قومي وكل الدروب.

فيا أيها الصوت 

قلْ لي: متى حبة الرمل تذوب

تعبتُ

تعبتُ فقل لي: متى

أو فنمْ يا صديقي

فما زال لي في الحياة نصيبْ.

 

 

عبد القادر حمود

 
 
Whatsapp