الدساتير في مواجهة الثورات


 

 

جلس أبو عصام في كنبته قبالة التلفزيون ليتابع برنامجه المُفضل (الرأي والرأي الآخر)، بعد أن قلَّب العديد من الأقنية ليعرف ما أحوال العالم هذا اليوم، ويعرف جميع المقربين من أبي عصام أن من الأفضل عدم مقاطعته وهو يَحضُر هذا البرنامج، فهو يَحرص ألا يفوته شيء من ردود المتحاورين، وعادة ما يُحَضِّر إبريق الشاي وسجائره ويتابع البرنامج فهو يعيش وحيداً على أية حال.

قال أحد المتحاورين:

إن الحرية الشخصية تكفلها كل الدساتير لذلك فإن منع أي شخص من ارتداء ما يريد بما فيه الحجاب او النقاب إنما هو ضد مبدأ الحرية.

(هزُّ ابو عصام برأسه معجباً بهذا الرأي).

ثم رد المتحاور الثاني:

إن الدول العصرية تسن القوانين ضد التمييز "الجندري" أو العرقي أو الديني، وتعتبر أن أي لباس أو إشارة دينية مبالغ بها هو شكل من أشكال تمييز الشخص لنفسه، ولِما هو ينتمي إليه عن الآخرين.

(ابتسم ابو عصام معتبراً أنه رد منطقي وقوي الحجة).

قال الأول: إن اللباس هو جزء من الثقافات المتعددة للشعوب ويجب احترامه وخاصة حين يكون فريضة دينية.

(مطَّ أبو عصام شفتيه وهز رأسه متفقاً تماماً مع هذا الرأي).

قال الثاني: هل تتجاهل استخدام الإرهابيين للنقاب للتخفي، ولكيلا تنكشف وجوههم؟، ثم أعطني آيةً واحدة يُذكر فيها الحجاب كفريضة، إنها محض عادة وليست فريضة، والآية التي يَحتج بها البعض أنت تعرفها وكلمة (جيوبهن) من الآية بالتأكيد لا تعني غطاء الرأس بأية حال.

(هزًّ أبو عصام رأسه معجباً بهذا الرد).

****

في المقهى حين يجتمع مع صديقيه المغرمَين بالسياسة وفيما هو يدخن النرجيلة يبقى منتبهاً إلى تفاصيل الحوار من قبيل:

الأول: إن ما يسمى بثورات الربيع العربي ما هي إلا مؤامرة وهناك الكثير من الكتب والدراسات التي سبقت هذه الثورات وتحدثت عن الفوضى الخلاقة

كسبيل لإعادة تشكيل المنطقة جيوسياسياً.

(يعلق ابو عصام: هذا صحيح تماماً).

يرد صديقه الثاني:

إن وصف هذا الحراك الشعبي ضد القهر والاستبداد بأنه مؤامرة فيه تسخيف للعقل، فكلنا نعرف ان هذه الثورات مستحقة ومنذ زمن بسبب تغوّل الديكتاتوريات وقمع الحريات، وبسبب منظومات الفساد الناهبة وإفقار المجتمع، إن أنظمتنا هي المؤامرة بذاتها.

(يهز ابو عصام رأسه معجباً بهذا الرد) . وهكذا..

وفيما احتدمت الأوضاع مؤخراً في المنطقة وزاد عدد المراسلين والمحللين

الاستراتيجيين، وزادت أعداد الفضائيات، فإن أبا عصام كان يتابع ما يجري طوال الوقت حدثاً بحدث، ثم فجأة سمع جيران أبي عصام صوت كسرٍ لزجاج ثم صرخة هزت الجدران، كان ذلك صوته، طرق الجيران بابه دون جدوى، وحين كسروا الباب وجدوا أبا عصام جالساً على الكنبة مقابل التلفزيون ورأسه متدلٍّ وزبدٌ كثيرٌ فوق فمه، بينما كانت شاشة التلفزيون محطمة، وكأس الشاي تناثرت أجزاؤها تحت التلفزيون.

في المشفى ابنته التي جاءت من مدينة أُخرى، وأيضاً جيرانه وأحد أقرب أصدقائه خارج غرفة العناية المشددة يخيم عليهم الحزن بانتظار أن يخرج الطبيب ويخبرهم عن حال أبي عصام.

أخيراً خرج الطبيب من غرفة العناية وجاء باتجاههم، عيون الجميع تحاول أن تقرأ في ملامح وجه الطبيب بارقة أمل، لكنهم لم يستطيعوا قراءة شيء محدد.

- أخبِرنا أرجوك يا دكتور هل فقدناه؟

- لا

- اذن فهو بخير أليس كذلك؟

- لا

- (بلهفة) ما الوضع إذن؟

- إنه للأسف قد دخل في غيبوبة ولا نعرف إن كان سيفيق منها أو لا، فالأمر الآن حسب رأيي يتعلق بقرار اللاوعي لديه بالعودة للحياة أو الاستسلام، عندها تقدم الصديق المقرّب نحو ابنة أبو عصام وربَت على كتفها وقال: العمر لكِ.

 

 

 

سميح شقير

موسيقار وشاعر سوري

 
 
Whatsapp