رفقاً بنا أيها الزمان يا لقسوتك، ليتك أعطيتنا منها القليل لتعيننا على الفراق فهو قاتل صامت، خذلان وموت صغير، لا أحب مراسم الوداع، وأكرهه كاللقاء!
فاللقاء موجع كالفراق، الخوف علمني ذلك، فأي لقاء هو بداية لفراق، ما أجمل النسيان ما بال هذه الذاكرة! تتشاطر علينا ولا تسعفنا بالامتحانات، وتكون جاهزة دوماً بالنوائب وتذكر الأحباب.
يحلو لها دوما أن تسحب بساط السعادة من أسفل أقدامنا، وتبقينا يقظين في أحلك الأوقات، وتخوننا ذاكرتنا كثيراً في استحضار الأفراح والمسرات، كنا نودع الأحبة كل حين وهناك متسع من الوقت للحزن والوداع، إلى أن أصبح الفراق صديقنا اليومي وفي كل الأوقات، كشجرة الخريف لابد من أن تتساقط كل الأوراق، ونحن نشكل جزءاً من تلك الوريقات، وهذا لا يقلقنا فالمرء لا يفارق نفسه وهذا عزاء، نتفاءل بهذا عندما نودع الأحباب على أمل اللقاء، لكنهم يتركون في دواخلنا فراغاً لا يطاق، وأصبح الجميع يفارق دون سابق إنذار، والأصعب دون وداع، ولا أمل بالعودة أو لقاء، وتصبح غربتنا غربتان، ويظل فراقهم غصة إلى وقت اللقاء، ويصبح العالم بارداً في كل الفصول، وتغلق السعادة أبوابها، لا بقاء في هذه الدنيا إلا للموت والفراق، فقط الذكريات لا تموت، ومن يفارقونا يتركون لنا سيولاً من الدموع ، مآسي وآهات، قد نبدو أمام العالم بلا إحساس نحن نأكل وننام ونمرح ولكن هيهات صوركم ماثلة أمامنا لا تبارحنا فجرحنا لن يبرأ مهما امتد الزمان، فالنار لا تترك وراءها إلا الرماد، هذه لعبة الحياة، وليس هناك عالم دون وداع، رحلوا من عالمنا لكنهم في قلوبنا باقون وكيف لهذا القلب الهش الصغير أن يحتمل كل هذا الفراق، أرواحهم معلقة بأرواحنا، هل تعلمون أيها الراحلون مقدار ألمنا وحزننا الكبير، نعيش على صدى أصواتكم على وقع خطواتكم على عطر أنفاسكم، نبتسم إن تذكرنا ضحك عيونكم، نحاول جاهدين أن نعتاد على الحياة بدونكم ومعكم لن يفارقنا إلا أجسادكم، العين توقفت عن سفك الدموع ولكن القلب عصي عن النزف والخفقان، والروح تستأنس بذكراكم، نصدقكم القول أننا بتنا نراكم في كل الوجوه، إن أردتم التعبير عن رد الجميل زورونا ولو بالمنام، لنحكي لكم ما حصل بغيابكم، وقتها قد تقدرون نعمة الموت قبل الهلاك، سنخبركم بأن أولادكم وأخوتكم وأصدقائكم وأحبتكم يموتون كل يوم ألف مرة، نسيت أن أسألكم هل الموت مؤلم !!!، وهل يستمر الألم؟؟ هل تنصحوننا بسرعة اللحاق بكم؟، هل هناك ما تريدون قوله؟، وتشتاقون لنا مثل اشتياقنا إليكم؟ أم انشغلتم عنا بتلك الديار، وأصبحتم تستخفون بأفكارنا وأعمالنا وذكرياتنا، نستمر بحزننا الذي لا يجدي أم ننصرف بكلنا إلى الحياة، لازال القمر يشع والشمس تسطع، لا زلنا نتابع الحياة، أولادنا يكبرون بسرعة أكثر من السابق فكل شيء حولهم قد تغير، أنتم فارقتموهم وحاصرهم الواقع المؤلم والتشرد وسحب من عالمهم الأمان، لم تعد هناك جدات تروي الحكايات ولا أجداد ليجلسوا بحجورهم ليقصوا عليهم قصص الأبطال، مات الأبطال! مات الأبطال.
إلهام حقي
رئيسة قسم المرأة