بالرغم من أنني لم أسمّ عالم القرآن الذي جمعته صورة تذكارية مع كهنة وزارة أوقاف الأسد، فإن عدداً من المتثيقفين المعتدلين، أشهر سيفه في الرد علي على "تويتر" بلغة لا تليق بالاعتدال الذي ثقبوا آذاننا به، والمشكلة في هؤلاء المتدينين، الذين ورثوا كل تصوراتهم للدين والحياة من شيخ الحارة، لا يريدون أن يفهموا أننا نعيش واقعاً جديداً، كسرت فيه القيود عن عقول الناس، فصاروا أكثر انضباطاً بحقيقة التدين، وأكثر قدرة على التحرر من سلطة المشايخ، لا من الدين والنصوص، لأن الدين عند هؤلاء هو حصراً ما يقوله الشيخ وما يفهمه، ولذلك فإن هذا المتدين يعجز تماماً عن وضع تصرفات شيوخه في سياقها الشرعي، حتى في أحلك الظروف التي تمر فيها بلاده وأمته ويكون فيها لزاماً على شيوخه إظهار حقائق الدين وأحكامه، وإظهار مواقفهم على أساسها، وهذا النمط من التدين، قاد مجتمعنا السوري إلى "تصنيع" كهنة كبار يدبرون العلاقة بين الله والعباد بما يعود بالنفع على الحاكم الذي بدوره يتوسع في بناء المساجد ومراكز تحفيظ القرآن، ويقيم المسابقات، ويمنح الجوائز على ذلك، تحت عنوان مكرمات سيادته التي تعطيه مزيد شرعية بين بسطاء المسلمين، والمحصلة الخطيرة لهذا الواقع انشقاق المجتمع المسلم عمودياً، على مستوى الدعاة والعلماء ما يصعب على خير من الناس إدراك الحقيقة رغم وضوحها، وتشظي هذا المجتمع أفقياً بحيث صرنا غير قادرين على الاتفاق على ما لا ينبغي الاختلاف فيه.
في هذا الجو من التخلف الإسلامي، بمعنى التخلف عن إدراك الإسلام الذي هو أبسط بكثير، في القضايا الكلية والعامة، مما يريد بعضهم تقعيره وفلسفته، صال كهنة كبار في عقول الناس وجالوا في قلوبهم وزينوا قمة الباطل على أنه قمة الحق، وأمثال ذلك الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الذي جلس عقوداً على منبر رسول الله، يزين للناس أفعال الأسد و"القوة الخفية" التي ترعاه وتكون معه في قراراته المصيرية، بالرغم من أن جوهر وظيفة الأسد ومهامه كانت النكاية بدين الله والتآمر عليه، ووأد أي محاولة لعودته إلى مسرح الحياة حتى لو على مستوى الحي أو الشارع.
وفي هذا الجو من التخلف الإسلامي، يضيق صدر كثير من هؤلاء المتدينين عن انتقاد عالم القرآن الذي ارتضى لنفسه صورة تذكارية مع كهنة وزارة الأوقاف التابعة لنظام الأسد، بل وصل الأمر لطلاب هذا الشيخ في علوم القرآن، أن يتفنن أحدهم في تبرير "حالة الضيق والتوتر والشعور بالاختناق" التي يعيشها الشيخ في الصورة، وكيف أن الشيخ يمسك بطرف ثوبه مغاضباً ومتوتراً، للإيحاء بأن هذا الشيخ الذي ذهب إلى الشيشان بمحض إرادته للإشراف على مسابقة قرآنية، الهدف النهائي منها ليس تطبيق القرآن على الأرض، وإنما خدمة حكومة عميلة عينها الرئيس الروسي على رؤوس مسلمي الشيشان ورغم أنوفهم بالقوة والقهر، وجد نفسه مضطراً ومرغماً على الوقوف في صورة تذكارية مع كبار الكهنة المجرمين.
ما هذا الغثاء والهراء الذي يسيطر عليه دعاة الاعتدال وطأطأة الرؤوس في وقت لا ينفع فيه إلا فقه الاستعلاء؟!
هذا النمط من الفهم والتدين، وهذا التخلف الإسلامي، وهذه الكهانة التي تذبل وتذوب، صار بفضل الله ورحمته وكرمه، تحت الأقدام، ولن يكون له رجعة بحول الله تعالى.
جهاد عدلة
إعلامي وكاتب سوري