أكره الرياضيات والكيمياء والجغرافيا والقومية


 

 

 

ستقولين للناس بأنه لا يوجد سبب وأن هناك أشياءً كبيرة تحدث في حياتنا دونما سبب، هذا يعني أننا متفقين على أننا فشلنا في إيجاد مبرر مقنع فقررنا أن نقول: لا يوجد سبب لكل ما حدث، وكأننا ندفع بقصتنا إلى حقل الظواهر الغامضة أو الأشياء التي لم يجد لها العلم تفسيراً.

المشكلة انني منذ الصغر أحب الفيزياء وأكره الرياضيات والكيمياء، ولهذا السبب لا أريد أن أرى الشمس المشرقة لأنني ببساطة عشت معك على الاعتقاد الجميل بأن غيابك سيغير مجرى الكون وستختفي النجوم والأقمار وشمس الصباح، فضحك عليّ الاصدقاء وقالوا إن الشمس تسطع كل يوم لكنك لا تريد أن تراها.

لماذا مضينا بهذه الطريقة رغم أننا كنا نحلم بالمدينة الفاضلة وكان لدينا من الوقت ما يكفي لبناء كوخ على تلك الجزيرة.

لماذا لا يوجد سبب؟، لماذا ماتت قطة الجارة في عامها الثاني رغم أنها لم تكن مريضة وكان من الطبيعي أن تعيش ثلاثة عشر عاماً كما تقول جارتي، لكنها ماتت فجأة على مصطبة الشباك فقررت جارتي ألا تأتي بقطة جديدة احتراماً لروح قطتها التي ماتت.

جارتي تكذب فالحقيقة أنها تخاف تكرار التجربة مرة ثانية، أنا أفهم مشاعر النساء وأعرف أن الخوف يكبح مشاعرهنّ الحقيقية فيخسرن كل شيء.

ذات مرة سألت طفلتي:

  • إذا فقدت حبيبك يوماً.. ماذا ستفعلين؟

  • سأحزن يا أبي.

  • وفيما بعد؟

  •  سأحزن كثيراً لكن من المؤكد أنني سأعطي حياتي فرصة أخرى.

طفلتي قوية أما انا فلا أتمتع بهذا الجواب حتى أنني لا أستطيع التفكير به لأنني كائن خيالي.

قبل خمسة سنوات دخلت طفلتي المرحلة الثانوية وهي تكره الرياضيات وسرعان ما اكتشفت أن اغلب صديقاتها يكرهن الرياضيات، تقول طفلتي: 

  •  نحن مجبرات على أن نتعلم الأشياء التي لا نحبها والتي تكون سبباً في فشلنا أحياناً.

ثم تضيف بأن الرياضيات مادة مرسّبة وأن صديقتها (أنتونيا) خسرت عاماً من حياتها بسبب علامة في الرياضيات.

طفلتي دخلت الجامعة وعادت غاضبة بعد أول يوم جامعي لها، كتبت لي على "الواتس" بأنها حزينة وأن فرع الهندسة الذي تدرسه يحتوي على خمسة مواد رئيسية مشتقة من الرياضيات، وأضافت أن صديقتها (أنتونيا) التي سافرت إلى استراليا لتكمل دراستها أيضاً حزينة لأن الفرع الذي تدرسه فيه ثلاث مواد مرسّبة مشتقة من الرياضيات.

القصة واضحة بأننا نكره الرياضيات لأنها ببساطة لا تقبل المستحيل ولا تؤمن بالخيال، فحين نقول إن اثنين ناقص واحد تساوي صفر. يضحك علينا أهل الرياضيات ويجيبون بأن النتيجة واحد وليست صفر، لكنني الآن صفر وفي السابق كنا اثنين، وحين نقص منّا واحد صرت صفراً عظيماً أحمل مزايا الامتصاص، حتى لو انضربت حياتي بألف امرأة فالناتج صفر، لكنني حتماً سأعطي الواحد القادم قيمته حين أجعله عشرة بلمسة.

جارتي لا تفهم بالرياضيات لكنها تعد سنوات غياب ابنها بالأيام والساعات، والجديد أنها جاءت بقطة إلى المنزل وقالت بأنها ابنة قطتها التي ماتت وأن السبب الوحيد الذي جعلها تؤوي قطة مجدداً هو أن هذه تحمل رائحة أمها، هذا يعني بأنني قد أفكر مثل جارتي يوماً.

حين التقيت طفلتي قالت لي بأن (أنتونيا) اتصلت وكانت حزينة للغاية حيث إن أكثر من ثلاثين باندا لقوا مصرعهم نتيجة حرائق الغابات في استراليا.

ثلاثون حيوان بريء يموتون بسبب أحدٍ ما أضرم النار في الغابة، هذا سبب منطقي لأن تحزن صبية ألمانية ولكن ما هو سبب عدم حزن العالم على شعوب تحترق بالفوسفور والنابالم واسطوانات الغاز التي تمطر فوق رؤوسهم؟!، ألا يستدعي قتل الناس بالبراميل والطائرات وصواريخ سكود والمدافع والسكاكين لأن يحزن العالم ولو لنصف ساعة؟!.

ما هو السبب؟، قلت لكِ أن هناك أشياء في حياتنا تحدث بلا أي سبب، مثلاً ما حدث معنا يبقى بلا سبب تماماً كما قلت لك: إنها أشياء تشبه الظواهر الغامضة.

لهذا السبب أكره الرياضيات والكيمياء والجغرافيا والقومية، وكنت في المدرسة أحب فقط الآنسة سهام معلمة اللغة الانكليزية لأنها كانت جميلة وترتدي تنورة قصيرة كالعمر.

 

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

 

Whatsapp