بعد أن تم توقيع قانون (سيزر/قيصر) من قبل مجلس النواب وكذلك من مجلس الشيوخ الأميركيين ولم يبق سوى توقيع الرئيس دونالد ترمب، ويبدو أنه بات متوقعًا صدوره، لأن القانون جاء ضمن حزمة من القوانين منها قانون ميزانية وزارة الدفاع الأميركية، لذلك فإنه قد أضحى قاب قوسين أو أدنى من الخروج إلى النور.
القانون (ومما لا شك فيه) سيشكل نقلة نوعية في المسار السوري، ولسوف يساعد على حشر النظام السوري، ومن يدعمه من روس وايرانيين في الزاوية، ليصبح النظام الأسدي كالطاعون لا يمكن الاقتراب منه أبدًا. عن كل ذلك وأهميته كان لإشراق أن التقت ببعض السياسيين والباحثين والكتاب لتقف منهم كيف ينظرون إلى إمكانية تطبيقه. وهل سيساهم في تقويض أركان النظام السوري؟ وما مدى تأثيره على مجمل المتعاونين والمتعاملين مع النظام السوري؟ من دول أو شركات، محلية أو عالمية.
المحامي حسن عبد العظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي وعضو هيئة التفاوض قال لإشراق " إن المتتبع للسياسات الأميركية حول موقفها من النظام السوري الحالي بعد وفاة الأسد الأب حتى عام 2010 وبعد انطلاق الثورة الشعبية السلمية في أواسط شهر آذار/مارس 2011وتوسعها وانتشارها على مدى ستة أشهر متمسكة بسلميتها وعدم انجرارها للعنف وحمل السلاح والنزعات الطائفية والمذهبية والأسلمة، على الرغم من محاولات النظام جرها إلى ذلك، واللجوء إلى الحل الأمني ثم العسكري". ثم أضاف " كان الموقف الأميركي قبل عهد الرئيس أوباما وخلال عهده، وفي عهد الرئيس الحالي ترامب لا يهدف إلى تغيير النظام الذي طالبت به قوى المعارضة السياسية وقوى المجتمع المدني، أو إسقاطه، كما طالبت قوى الثورة والمعارضة منذ أواخر عام 2011بعد رفض مطالب الثورة الشعبية السلمية بالحرية والكرامة وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية واعتبار الثورة مؤامرة خارجية والثوار إرهابيين ومحاولات قمعها بالحل الأمني العسكري على مدى ثمانية سنوات، وعلى الرغم من وقوع الكثير من المجازر من قوات النظام وحلفائه، فإن جميع التصريحات لمسؤولين في وزارة الخارجية أو الأمن القومي أو وزارة الدفاع ( البنتاغون ) أو المستوى الرئاسي، بقيت في حدود الاستنكار والتنديد والتهديد لأنها محكومة من حيث النتيجة من ضمان أمن الكيان الصهيوني، غير أن بحث مشروع قانون سيزر في الكونغرس بمجلسيه بتوافق النواب النافذين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وإصداره، كان خطوة جديدة غير مسبوقة في الولايات المتحدة الأميركية"
وتابع السيد عبد العظيم قائلًا " ومما يعزز أهمية الخطوة أنها تستند إلى تسجيلات لعمليات تعذيب معتقلين وتصفيتهم من أحد العسكريين في السجن المكلفين بالتحقيق، سواء كان ذلك بعلم مدير السجن أو بدون علمه، مما يؤكد صحتها (وشهد شاهد من أهله) ولا يمكن إنكارها أو الادعاء بفبركتها) إن هذا القانون خطوة عملية معنوية لصالح غالبية الشعب السوري وقوى الثورة والمعارضة والعملية السياسية في جنيف". لكنه أكد أيضًا أن " هذا لا يتحقق تلقائيًا وإنما يحتاج إلى جهود حثيثة من جميع قوى المعارضة ومن هيئة المفاوضات بالتنسيق مع الأمم المتحدة والمبعوث الدولي السيد غير بيدرسن والبعثة، والاتحاد الأوربي والمجموعة المصغرة والعمل على تفعيل موقف دولي موحد يضغط على النظام وحلفائه لوقف الحرب العبثية في الشمال السوري، واستمرار اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف وتسريع خطاها لإنجاز مشروع الدستور وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي وتوفير البيئة المحايدة والآمنة، وثمة تداعيات كثيرة لهذا القانون والاجراءات التي تطبقها الإدارة الأميركية على النظام والمسؤولين السياسيين والمتعاونين معه من أشخاص وشركات ومسؤولين عسكريين في الجيش والقوات المسلحة ومن يتعاون معهم من تجار ومتعهدين وإدراجهم على قوائم الحصار. وعلى مسؤولين ايرانيين سياسيين وفي الحرس الثوري، ومن الموجودين في سورية والميليشيات التابعة لها وعلى الروس إن لم يلتزموا بقواعد الحصار وإجراءاته وتتفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية في سورية وتنعكس سلبًا على الوجود الروسي ودوره في حل الأزمة المستعصية كي تضطر الادارة الأميركية إلى إرسال مزيد من القوات العسكرية من العراق".
أما أيمن أبو هاشم المحامي والباحث ورئيس تجمع مصير فقال لإشراق" إمكانيات تطبيق قانون قيصر تتعلق بنواحي قانونية وإجرائية من جهة، كضرورة توقيع الرئيس الأميركي عليه خلال ٣٠ يومًا من صدوره، واتخاذه قرارات مالية واقتصادية بحق رموز النظام ومؤسساته وكذلك الشخصيات والشركات المتورطة في دعمه، وفق ما جاء في بنود القانون، ومن جهة ثانية هناك خطوات سياسية لا تقل أهمية في حال تنفيذها عن العقوبات المالية، وهي تنصب على تقويض شرعية النظام الأسدي ومنع التطبيع الدولي معه، ومحاصرته سياسيًا كنظام متورط في ارتكاب جرائم دولية بحق شعبه" وأضاف " أرى من تلك الزاويتين أن مدى جدية الكونغرس الذي صادق على قانون سيزر، في الضغط المتواصل على الإدارة الأميركية لتطبيق القانون بكل ما جاء فيه، يشكل عاملًا مهمًا في تفعيله واقعيًا خلال السنوات الخمس القادمة وهي المدة المحددة لتنفيذه، كما سيتوقف إنفاذه أيضاً على تقيد الإدارة الأمريكية باتخاذ الإجراءات الصارمة في مواجهة شخصيات النظام وكل المؤسسات والشركات المتورطة بدعمه سياسيًا وعسكريًا وماليًا، فمن المعلوم أنه وطيلة السنوات الماضية بقي النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، طليقي الأيدي في ارتكاب الانتهاكات والجرائم بحق السوريين، دون أي رادع أو محاولات جدية للتضييق عليهم، وبالتالي ورغم خذلان القوى النافذة في المجتمع الدولي لمأساة السوريين الرهيبة، فإن المصادقة على قانون سيزر تبعث الآمال مجددًا بوجود فرصة سانحة لردع النظام وتجفيف قنوات الدعم التي منحته مزيدًا من البطش والتنكيل، وكل ذلك سيتوقف على تطبيق مفاعيل القانون وعدم استغلاله كوسيلة سياسية تتجاوز مبدأ إحقاق العدالة في سورية، وهو المبدأ الذي جاء إقرار القانون استجابةً له.
يجدر هنا تسليط الضوء أيضاً على الأثر القانوني لمجمل الأدلة والوثائق التي ارتكز عليها القانون في إدانة النظام الأسدي عن الجرائم التي ارتكبها بحق ألوف المعتقلين في مسالخ التعذيب والموت، وهي أدلة كافية لإثارة المسؤولية الجنائية الفردية، بحق كافة المشاركين والمتواطئين من قيادات النظام السياسية والأمنية والعسكرية، وفتح أبواب ملاحقتهم ومعاقبتهم أمام المحاكم الدولية، ولهذه المسألة أهمية قانونية كبيرة في زيادة المطالبات والضغوط لمنع قيادات النظام من الإفلات من العقاب، وهذا ما يجب العمل عليه بكل الميادين والمحافل، وكي يتم تثمير قانون قيصر وكل الأدلة الدامغة التي تدين النظام وحلفائه في مسار العدالة الدولية في سورية، فلا يمكن لأي حل سياسي أن يحقق تطلعات الشعب السوري دون بناء سياق واضح وفاعل لتطبيق العدالة وإنصاف ضحايا الإجرام الأسدي، وكل المتورطين بقتل وتهجير واعتقال السوريين وتدمير وطنهم ".
الكاتب والباحث السوري محمد خليفة أكد لإشراق أن " إقرار الكونغرس بمجلسيه لقانون سيزر تطور عالمي لا أميركي أو سوري فقط. إنه انتصار تاريخي للعدالة على الطغيان والإجرام والوحشية والأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان وحرمات البشر وحيواتهم، تحت مظلة الحصانة بحجة السيادة وصلاحيات الدولة والسلطة "الشرعية"، ويجرد الحكام المجرمين من الغطاء والحماية، مهما بلغت قوتهم، ومهما كانوا". وأضاف " هذا التشريع لم يأت مصادفة أو هبة مجانية، بل ثمرة تطور تاريخي أنجزته جهود منظمات المجتمعات المدنية في العقود الأخيرة، وثمرة جهود جبارة للجالية السورية في الولايات المتحدة الأميركية، ويعطي رسالة إيجابية لكل من تعرضوا للعدوان والظلم والإجحاف من الأنظمة المارقة، كالسوري والايراني والعراقي والمصري، بأن ثمة بصيص أمل في إمكان ملاحقة المجرمين، وتطبيق العقاب عليهم، ويعزي الضحايا وذويهم، ويعزز مسيرة الديمقراطية وحقوق الانسان لتصبح شرعة دولية. ولذلك نتوقع أن يؤسس هذ التشريع مسارًا حقوقيًا وسياسيًا دوليًا. ويخلق سابقة مهمة جدًا تردع الأنظمة والعصابات السياسية التي ترتكب جرائمها بسلاح السلطة، وهي للأسف سلالة قديمة من الانظمة ما زالت متجذرة في الشرق الأوسط، بدعم من إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية" ثم قال خليفة " قانون سيزر على الصعيد السوري يرقى إلى مستوى حكم بالإعدام على عصابة الأسد الارهابية بكل أفرادها وأشخاصها، وكل مؤسساتها ومنظماتها وميلشياتها العسكرية والأمنية والسياسية. ويشمل أيضًا كل من يتعامل معه أو يحميه أو يسانده في كافة أنواع المعاملات والنشاطات التجارية والأمنية والعسكرية. وفي ضوء ذلك أتوقع أنه في حال تطبيقه سيكون أداة شنق وخنق للعصابة، لأنه يجفف مصادر تمويلها ويقطع الشرايين التي تمده بالمال والسلاح والمواد الاستراتيجية وتساعده على ارتكاب جرائمه. والقانون بهذه الصرامة غير المسبوقة سيساهم في القضاء على أي أمل للعصابة الحاكمة باستعادة شرعيتها واستمرارها، أو إمكان تلقي أي مساعدات خارجية أو إمكانية لما يسميه الروس والايرانيون إعادة البناء في سورية بأموال من بعض الدول." وتابع يقول " لقد خيل لجزار سورية أنه قادر على الإفلات من سيف العدالة الوطنية والدولية بفضل مساندة روسيا وإيران واستعادة شرعيته وعلاقاته مع العالم، ولكن هذا القانون إذا طبق حزم سيقنع ملالي طهران وقيصر روسيا بأنه لا جدوى من بقاء الأسد وعصابته في السلطة، وأن التخلص منه ضروري للحفاظ على مصالحهما وتعويض ما أنفقتاه من أموال في حربهما على الشعب السورية، دعمًا للجزار المتوحش. ولا يجب أن نغفل أن سيف العدالة الذي تستخدمه أميركا الآن ضد نظام دمشق هو نفسه الذي تشهره أميركا في وجه النظام الايراني، والأنظمة الموالية له في عموم المنطقة، أي أنه إعلان حرب وحصار وملاحقة لكل عناصر المحور الاجرامي العدواني الذي امتد شره وخطره إلى كل أصقاع العالم وبات حتميًا التخلص منه لكي يصبح العالم أكثر أمنًا.
بدوره فقد اكتفى الباحث والمعارض السوري ادوار حشوة بالقول " هو ورقة ضغط فعالة خاصة على المصرف المركزي والمصارف، وعلى من يتعامل تجاريًا مع النظام وشركاته، فيما يتعدى المواد الإنسانية والهدف منه إجبار النظام على الانتقال إلى سلطة جديدةً حسب القرار الدولي والعبرة للتنفيذ."
أحمد مظهر سعدو
رئيس القسم السياسي