بيات الطوق


 

صعود

ره مي نصف بيمول فا صول

 أهديتها ذات مساء ربيعي طوقًا أرهقني ثمنَه. كُنتُ متلفهًا لزرعه في تُربِة رقبتها الطويلة، متشوقًا لرؤية الطوقِ الذهبيّ كسنابلِ القمحِ بين الخصلاتِ الطويلةِ لشعرها الكستنائي. وكبرق فاجأ المزارعَ وقتَ الحصاد، لمحتُ الوميضَ الخافتَ في عينيها اللتين تجاهلتا الطوقَ ونظرتا إلى الأفق الممتد خلفي.  صمتنا لمدة روحية لا تقاس بالزمن، ثم قالت: "أكره الأطواق".

سي بيمول

صديقتي تُحبّ الشعر، تدهشها قدرته على التعبير عن التوق لكسر الطوق. خوفها من الأطواق سببُ ترددها في نشر ما تكتب. تهجسُ فيها ليلَ نهار. تتلامح لها في كل مكان. آخذة الأشكالَ الهندسيةَ كُلها.

 من مربعٍ

               ومثلثٍ 

                        ومخمسٍ 

ولعلّ أقساها الدائرة.

دو ره

طوق النجاة، لا يفرق عن حبل المشنقة. كلاهما طوق. الأول يبقيك حبيس بدنك، والآخر يحرره. طوق النصر أثقل وأقسى من طوق الهزيمة. إن كان الثاني اغتصبك، غيبك وأنت حاضر، فالأول يسكرك، يُحضرك وأنت غائب.

 

هبوط

ره دو

جمالُ الجسد طوقٌ للمرأة. تبقى حبيسة جمالها، تخشى خربشة أصابع العابثين وإن كانت داخل قفص. وكم من جمال عنّسَ صاحبه، وعيّشه في وهم حتى لحظة التحرر.

سي بيمول

لا سبيل للتخلص منه إلا بالموت، بتحرر الروح من الجسد. لعل هذا الذي جعل بعض الكبار، المطوقين بعلمهم وشهرتهم، ينتحرون.

 كانت ستنتحر لولا الأحلام، تلك النافذة الوهمية المبهرة كشاشة عرض، ولولا الشعر، المتدفق كماء يغمر البدن.

حين افترقنا، أخذت معها الشعر وتركت لي عقدة الطوق.

لا صول فا

تقابلنا مرة أخرى، بعد سنوات، احتفالا بصدور الديوان الأول لابنتها التي ورثّتها الشعر. اقتربنا من بعضنا بتشوف غامض، تماماً كتشوّف المدخن المريض إلى ضوع الدخان لعله يعوض الحرمان الذي فُرض عليه. سألتُها وحواسنا تُشبع جوعنا لبعضنا فيما الجمهور منشغل بالمعجنات والعصائر:

  • هل تخلصت من عقدة الطوق؟ .

توقفت عن مضغي بعينيها وقالت:

  • هو كالاسم، لا يمكن التخلص منه وإن استبدلته.

 ثم نزعت نفسَها مني وقالت وهي تتجه نحو الجمهور:

  •  لكني لم أورّثه لابنتي.

كانت الشاعرةُ الشابةُ ترتدي الطوقَ الذي أهديتُه لأمها ذات مساء.

مي نصف بيمول

أعطتني ابنتها حين حضرت عزائها ورقة قائلة:

  • الجزء الذي يخصك من الوصية.

 حملت الورقة كعصفور خرج لتوه من قفص، أمنعه من الهروب، وأخشى الضغط عليه فيتحرر. كأنها حلت مكان العصفور الذي تقمص الورقة، حرارة جسدها داعب راحة كفي، وطوّق نَفَسي فلم أطق البقاء. خرجت مسرعا وعلى ضوء مصباح الشارع قرأت: 

عقد وراء عقد 

كطوق لُفّ حول العنق 

صنعت حباته من أحجار مرعبة 

 حجر أصفر أشبه بالموت

حجر أحمر طعمه الجوع

حجر خشن برتقالي أصفر سموه الثمرات

حجر ملس ناعم ادّعوا بأنه حجر المال

لمن يحُلُّ الطوق.

كلّ من لا يحمل الطوق 

يدفن حياً كما لو أنه ميت.

ره

هبت ريح عاصفة حين قطّعت الورقة فنَثَرتْها. تجمعت القصاصات على شكل حمامة بيضاء تشبهها وطارت مع الريح.

بدت رمادية وهي تتجه نحو السماء.

 

 

علاء الدين حسو

كاتب وإعلامي سوري

 

 
Whatsapp