الآنسة سهام


 

قال مدير المدرسة مخاطباً الموجهين والأساتذة:

  •  قولوا للحمير اليوم ما في دراسة. خليهم ينظفوا المدرسة ويعلقوا الزينة. اليوم رح يزورنا أمين الفرع ولازم ما يحط نقطة علينا.

وانصرف بعد أن أعطى إشارة بعينه للآنسة سهام بأن تلحق به إلى الإدارة، الآنسة سهام هي مدرّسة اللغة الإنكليزية الجديدة والتي حلّت بعد تقاعد الأستاذ ممدوح، ومنذ انضمام الآنسة سهام إلى الجهاز التدريسي صارت كل المدرسة تتعلم الإنكليزي وحتى الأساتذة والمدير.

صرخ بنا الموّجّه الذي أيضاً صار يتعطّر بالكولونيا الليمون لأجل الآنسة سهام كما يفعل المدير:

  • أنتو يا حمير. يا تنابل.

 "توضيح للقارئ: في المدارس السورية يلقب الطلاب بالحمير والتنابل، وهناك أيضاً تسميات أخرى يتداولها الأساتذة لمناداة الطالب من مثل: يا تيس، يا بغل، يا قندرة، وتلفظ القاف إذا كان الأستاذ من الساحل فقط".

ركضنا إلى قبو المدرسة لإخراج صور القائد الخالد الأمين حافظ الأسد وكانت كل الصور متضررة بسب تكاثر الجرذان والفئران في قبو المدرسة، والصورة الوحيدة التي كانت على حالها لم يمسها سوء قمتُ أنا بتمزيقها بمهارة فأر ينتقم دون أن يراني أحد بصقت على فتات الصورة ومضيت، أما باقي الصور فكانت كلها ناقصة، عين أو أُذن أو فم إضافة لامتلائها بفضلات الجرذان.

أبلغنا الموّجه بالأمر وبأن المدرسة لا تملك صورة واحدة سليمة للخالد، ركض كالحمار إلى غرفة المدير وكانت الآنسة سهام وحدها عند المدير تعلّمه اللغة الإنكليزية.

صرخ المدير به:

  •  بتقول للحمير هدول كل حمار يروح بسرعة يشتري صورة ويرجع.

وانصرفنا جميعاً لنعود بصور القائد الخالد، وعاد المخزون الاحتياطي للمدرسة من الصور إلى حالة الجاهزية، مرّت ساعة واحدة وكنّا قد انتهينا من الزينة وتعليق الأعلام والصور حتى صرخ بنا الموّجه:

  • يالله يا بغال على الباحة. ما بدي شوف ولا حمار جوّا المدرسة.

اصطففنا في الباحة وخرج إلينا المدير بعد أن أنتهى من درس اللغة الإنكليزية وغادرت الآنسة سهام غرفته مضطربة، ثم صرخ بنا:

  • عيونكم إذا بترف رح طالعها. فهمانين يا دواب. بدي أسمع صوت الإبرة على الأرض.                             

(اســــــــــــــــــــتارح، اســــــــــــــــــــــــــــتاعد).

 وغادر المدير بينما نحن الحمير بقينا تحت شمس الظهيرة وبحالة استعداد ننتظر مجيئ أمين الفرع الذي وصل موكبه محاطاً بالمسلحين، استقبله المدير بحرارة وقدّمت له الآنسة سهام باقة ورد مما جعله طيلة الحفل يتأملها ويبتسم كلما وقعت عيناها في عينيه، كان المدير يقرأ علينا خطاب الممانعة والصمود وكان علينا أن نصفق كلّما ذُكر اسم القائد الخالد الذي التهمت الفئران كل صوره في القبو، بينما كان أمين الفرع القصير القامة الأشبه بأنثى حامل في شهرها التاسع يرسل نظرات الأعجاب للآنسة سهام الجميلة والوحيدة التي كانت ترتدي ثوباً قصيراً (فوق الركبة) فكانت ملامح وجهه تتبدل مع قوة خطاب المدير فكلما كانت تتكرر في الخطاب كلمة حرب التحرير كنت أرى نظرات أمين الفرع متجهة إلى خصر الآنسة سهام .

انصرفنا وأنصرف الجمع كلّه وفي اليوم الثاني كانت المدرسة حزينة، والموجّه كان في أسوأ حالاته، وكان المدير غائباً عن تحيّة العلم، وقف الموّجّه أمامنا ولأول مرة نادانا بعبارة: (يا ابني) وكأنه كان في آخر أيامه يحاول أن يبرر ذنوبه الجمّة.

  •  يا أولادي هذا الأسبوع ما في دروس إنكليزي.. لبين ما تبعتلنا مديرية التربية مُدرّس جديد لأن الآنسة سهام تم نقلها للتدريس في الفرع.

وانصرف الموّجه الذي لم يكن يومها مستحماً بالكولونيا، كان يعبر الممر الطويل ويتأمل صور القائد الخالد (الذي بالت الفئران على صوره في القبو)، وكان يقول شيئاً وهو يمضي كخاسرِ كبير بينما الإدارة كانت مغلقة تفوح منها رائحة بيتٍ ميّت.

 

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

 
Whatsapp