هل من الممكن أن تتواجه تركيا وروسيا في ليبيا ؟


بات موضوع شرق المتوسط يتحول إلى ​​عنصر أساسي في جدول أعمال السياسة الخارجية التركية. فمن اجل حماية حقوق جمهورية شمال قبرص التركية أنقرة ترسل قواتها البحرية ليس فقط في محيط قبرص. بل إنها نشرت أيضا طائرات بدون طيار في منطقة غاتشتي كالة، ويتم الحديث أيضا عن إنشاء قاعدة بحرية. واليوم ستتم المصادقة على الاتفاقيتين الموقّعتين مع ليبيا في الجمعية العامة للبرلمان التركي. وقد أعلن الرئيس أردوغان صراحة أنه إذا رغبت ليبيا في ذلك فإنه يمكن إرسال دعم عسكري وفقا لمذكرة الحكومة الوطنية الليبية (UMH). وأمس أيضا طلب رئيس الوزراء في حكومة التوافق الوطنية الليبية فايز السراج الدعم من تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا والجزائر، وذلك لإحباط هجمات قوات حفتر على العاصمة طرابلس. حيث أعلن حفتر في الثاني عشر من تشرين الأول الحرب النهائية الفاصلة للسيطرة على طرابلس، وأعلن النفير في عشر مدن غرب البلاد. الأخبار الواردة من طرابلس تشير إلى أن الاشتباكات وصلت مرحلة حرجة حيث ستحدد مصير حكومة الوفاق الليبية. أنقرة بدورها تتحرك انطلاقا من الفهم القائل:  "ليبيا هي جارة تركيا في البحر". وبالتالي فإن القضية في أحد أبعادها هي قضية أمن حدود. وهي من زاوية أخرى قضية حماية مصالح تركيا (مثل تقاسم المساحات البحرية، وحماية قبرص والثروات الهيدروكربونية من النفط والغاز).. بل أن أنقرة بدأت تقيم الوضع بخصوص إرسال قوات عسكرية الى ليبيا، وذلك يعتبر أيضا واحدة من الركائز الأساسية من التحركات الاستراتيجية في شرق البحر الأبيض المتوسط. إن دعم طرابلس يعد أمرًا حاسمًا أيضًا لمستقبل تقاسم المساحات البحرية في شرق المتوسط، وسيحدد مصيرها.

 

التوازنات الحالية في شرق البحر المتوسط

في حين أن أنقرة تسعى لحماية علاقاتها بقبرص التركية وليبيا بالحماية العسكرية فإن هناك قلق من التوازنات الجديدة والمواجهات المحتملة في شرق البحر الأبيض المتوسط. وذلك لأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقفون إلى جانب اليونان وجنوب قبرص، اللتين تسعيان إلى تقاسم الحد الأقصى من ثروات البحر الأبيض المتوسط لصالحهم. إسرائيل ومصر على نفس الخط الآن. ومع ذلك، فإنه في الحقيقة فأن الاتفاقية الموقعة مع ليبيا تحتوي على عناصر أخرى لصالح مصر بل وحتى لصالح إسرائيل. وعلاوة على ذلك فإنه بالتزامن مع إعلان تركيا منطقتها الاقتصادية الخالصة، فإن إسرائيل التي تخطط لإيصال خط أنابيب الغاز إلى أوروبا ستكون مضطرة للتسوية أو المصالحة مع أنقرة. أنقرة ترى أن نهج الاتحاد الأوروبي بخصوص شرق المتوسط  نهج غير عادل على الإطلاق​​، فالاتحاد الأوروبي الذي يقبل جنوب قبرص (اليونانية) عضواً كاملاً فيه على الرغم من أنها لم تقبل "خطة عنان لعام 2004" فهذ النهج غير عادل وغير مبرر على الإطلاق. من ناحية أخرى فإن أنقرة تعتبر دعم الولايات المتحدة لليونان وقبرص أنه يفرغ التحالف الأمريكي مع تركيا من مضمونه تماما. أنقرة ستظل مصرة على التذكير بمصالحها المحقة لكلا هذين الطرفين.

 

الدور الحساس والخطير لروسيا

إن موضوع القلق الأساسي في هذه المعادلة هو موقف روسيا الداعم لقوات حفتر في ليبيا. نحن نعلم أن الولايات المتحدة رفعت الحظر على الأسلحة شريطة ألا تستخدم السفن الروسية موانئ جنوب قبرص. لكن واشنطن تبدو محايدة في ليبيا. في الوقت نفسه، يدور الحديث عن أن روسيا لن تكتفي بتقديم الدعم لحفتر عبر شركات عسكرية، وإن دورها ومشاركتها في ليبيا سيزداد ويكبر.وهذا يعني أن كل من تركيا وروسيا تستعدان للقيام بدور أكبر وأكثر نشاطا في ليبيا. الرئيس أردوغان أكد في مقابلة مع الصحفيين في ماليزيا إن تركيا لن تقف متفرجة على ما تقوم به روسيا في ليبيا من خلال الشركات المسماة واغنير، والتي تبدو كما لو أنها تقدم جنودا مأجورين لحفتر. حيث أن شركة واغنر يقودها يفغاني بريغوشين، الذي يعتبر أحد أكثر الشخصيات التي يثق بوتين بها. 

 

السؤال الحساس والحرج الآن هو "هل من الممكن أن تتواجه تركيا وروسيا كأضداد في ليبيا؟". أعتقد أن هذا الاحتمال مبالغ فيه أكثر من اللازم. على العكس من ذلك أعتقد أن المشاركة المتزايدة لأنقرة وموسكو في ليبيا يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التسوية والتعاون فيما بينهما أكثر من التوجه نحو المنافسة. فأردوغان وبوتين اللذان تمكنا من عمل تعاون حتى في سوريا يستطيعان أيضا خلق إطار تعاون من أجل إدارة وتنظيم الفواعل الأخرى. من ناحية أخرى فإن فرنسا وألمانيا وإيطاليا مضطرون للتفكير بالعمل مع تركيا والتعاون معها حتى لا يستبعدوا من اللعبة في ليبيا الواقعة في الضفة المقابلة للبحر الأبيض المتوسط. إن الوضع في ليبيا (التي تصدر النفط والغاز واللاجئين إلى أوروبا، يعد موضوعا حيويا وبالغ الأهمية بالنسبة لهذه البلدان. إذ أن سقوط طرابلس يعني أيضا سيناريو كارثي للاتحاد الأوروبي. أما تركيا فإنها تدرك جيدا الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها منطقة شرق المتوسط بالنسبة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. وبالتالي فإنها تحسب حساباتها للعمل على أساس عقلاني مع الفاعلين الأوروبيين والروس، وذلك من خلال لعب دور نشيط وفعال.

 
Whatsapp