هموم المرأة أزلية حتى في حرية الكتابة، يحاصرها المجتمع وهي تحاصر نفسها أكثر منه، تحاول جاهدة انتقاء المفردات التي تناسب من حولها وتليق بأنوثتها، فالذكورية تحتل المرتبة الأولى دوماً، حتى في الأعمال السينمائية وضعوها في إطار محدد، باردات، عذراوات، جامحات، بائسات.
وكلما تشدق الذكور بالحرية والمساواة زادت خيبة النساء، وكأن دورهن الذي منحنه من الرجال الطهي والتفنن بصنع الشاي وتنظيف الأواني وتلميع الأرض والزجاج، سمحوا لها ان تتباهى بجمالها، وإن تطاولت وكتبت شيئاً عن الأدب، عليها البقاء دون الرجال وآلا يضاهي أدبها أدب الرجال، وإلا وصفت بالمسترجلة وهذا أبسط نعت تتلقاه طبعاً من الطبقة المثقفة من الرجال!!!، إن تجرأت وكتبت فهناك معايير في انتقاء المفردات ومعاناة في اختيار الكلمات، عليها الانتقاء ونقل المشاعر والأحاسيس بطرق ملتوية بعيدة عن الوضوح الذي هو ملك للرجال، إن كتبت المرأة باسم مستعار، أبدعت وتفوقت فهي قادرة على نقل أحاسيس الأنوثة التي تملكها والتي منحت لها من تكوينها بقدرة إلهية، لا يستطيع نقلها أعتى الرجال، فكيف لهم أن يتفوقوا بنقل أحاسيس لا يملكونها، المرأة وحدها قادرة على نقل ما يدور بخلدها من مشاعر وأمنيات.
إن دخول المرأة عالم الأدب من أصعب الأمنيات فالطريق أمامها شاق ومحفوف بالمحاذير وانتقاء الأفكار البعيدة كل البعد عن التفوق والإبداع وإلا نعتت بأسوأ الصفات، فهناك عادات وتقاليد وخطوط حمراء، وطبعاً لا أستثني الرجال فهم أيضاً محاصرون ولكن يبقى حصارهم أرحم من حصار النساء، وإن رجعنا للوراء فتواريخ الشعوب كتبت بأيدي الرجال، والمصطلحات السياسية مرتبطة بالرجال، وإدارة المدن والبلدان، أوكلوا إليها مهمة تربية الأولاد وهي من أنجب هؤلاء الرجال، فنضال المرأة يتضاعف إن حاولت الولوج إلى الأدب والإبداع، فوراً يسعون إلى الحد من حريتها وأنها سطيحة.
لا تستطيع التعمق والتفوق عليهم فهم من خلق للفن والأدب والإبداع، وتبقى المرأة ضحية أمراض المجتمع التي تطالها وإن كانت من أنقى وأروع النساء، طبعاً لا تعميم على الرجال فهم آباؤنا الطيبون وأولادنا الرائعون وأزواجنا المخلصون وإخوتنا المتفانون، ويبقى هناك نساء مبدعات بالرغم من كل العقبات.
مي زيادة كتبت: أحب عطور تربة الأجداد ورائحة الأرض التي دغدغها المحراث منذ حين وأحب الطرق الوعرة المتوارية في قلب الغاب وهكذا رغم حبي الأفيح، أنا في وطني تلك الشريدة الطريدة التي لا وطن لها؟!!!!
وهي من أب لبناني وأم فلسطينية.
ونعرج على غادة السمان الدمشقية التي تأثرت بحب والدها، وكان لها أول مجموعة قصصية بعنوان عيناك قدري، ولا ننسى أحلام مستغانمي الجزائرية المولودة في تونس ابنة محمد الشريف الثوري فكتبت عن الحب ممزوجاً بالثورة: هل يمكن لوطن أن يلحق بأبنائه أذى لا يلحقه حيوان بنسله؟ هل الثورات أشرس من القطط في التهامها لأبنائها من غير جوع؟
هناك الكثيرات ولكن فقط ذكرت بعضهن كي لا تتهم المرأة بالتقصير، تستطيع أن تشق الطريق أمامها والدخول من أوسع الأبواب، بتحليلها العميق وانصياعها لصوت الضمير، فهي لم تخلق من عدم ولم تنشأ من فراغ، اتركوا لها المجال لتعبر بصوت عال، ولتكتب على صفحاتكم بدل الرمال، فكل رجال العالم يعترفون بأن أمهاتهم أكثر عظمة منهم.
إلهام حقي
رئيسة قسم المرأة