-1-
الليلُ: ساترٌ للظاهر، فاضحٌ للباطن. بينما النهارُ حاجبٌ للكامن ومجلٍ للبارز.
-2-
الشر أو الخير تتجلى قوتهما وجبروتهما في الليل. فالليل مقياس للأفضلية، للعابد مثل الفاسق. صلوات العتمة تكشف المنافق عند المتعبد لذا قيل: "من طلب العلا سهر الليالي". والمقدرة العسكرية اليوم تُحسب للذي يمتلك القدرة على الحرب ليلا.
-3-
المسارح وكذلك المعابد يختاران الليل ليخاطبا الروح قبل الجسد.
الوعظ النهاري تذكيرٌ بالليل، وبالقبر حيث العتمة الكاملة، وتحفيزٌ للنشاط في لجة الليل.
-4-
جمال القمر لن تعرفه على حقيقته إلا في ليل أسود صاف.
-5-
النهارُ رداءٌ لمشاكل الجسد والروح، والليل مسقطٌ له.
ألم المريض يتجلى ليلاً، حيث تبدأ أعضاء الجسد بالبوح عبر الوجه والفم والعينين.
-6-
لن ترى الغربة والوحشة في ضوء النهار، بل عتمة الليل ستبينها لك. ستجدها على حقيقتها.
شعور المرء في النهار كشعور الطفل بالأمان مع والده، كزيوس القادر على حمايته من العالم، وإحساس المرء في الليل كإحساس الناضج الراشد بأن والده مثله، كائن، نقطة، في بحر الكون.
-7-
تفضح محطة قطار في بلد ما، مغلقة ليلا، خوف المدنية التي تحتويها.
-8-
أقسى الزلازل تلك التي تباغتنا ليلًا، وأنجح الانقلابات تبدأ في الليل.
-10-
يخمر الشراب في أماكن معتمة، يقبض من أثر الليل وهذا سرُ قوته. يجردُ الثمل من أقفاله وينثر رغباته وأفكاره.
أحداث قصة الراهب الذي قتل الطفل وزنا بالمرأة تدور كلها في الليل، فهي كشفت ما كان يخفيه الرجل تحت ثياب النهار، وما حدث لقوم لوط لم يكن إلا ليلًا، ولم تعقر ناقة صالح إلا في دياجير الليل.
-11-
أغلب الكتاب، تسألهم عن طقس الكتابة، فتجد الليل حاضراً، إنّه المسرح الذي يُحضّر لهم شخصيات أعمالهم كمتفرجين أو لاعبين. أغلبهم يتغزل بالقهوة، التي تحمل عناصر الشاي، إلا أنّها تتميز بالسواد، تذكرهم بالليل وسحر الليل وشرّ الليل وكمال الليل.
-12-
هناك فيلم جميل، اسمه المنسي، جدير بالمشاهدة، يبدأ الفيلم ليلا وينتهي مع الصباح، ترى الوجوه على حقيقتها ليلا، حيث يفضح الليل فساد الأشرار، ويٌبلجُ الأخيار. الصراع كله يدور في الليل، وينتهي مع ظهور الضوء. يكفي السينارست (وحيد حامد) هذا الفيلم، وسأصاب بالدهشة إن عرفت يومًا أنه كتبه على ضوء النهار في زاوية المقهى، مثلما صرح مرة عن فيلم أخرله.
-13-
قرأت مرة في دراسة، بأنّ أفضل حالة لممارسة البهجة هي العتمة، وأنّ أغلب الأزواج، يبتهجون في العتمة، لأنها تخفي ما قد يظهر من عيوب لا يود الطرف الأخر رؤيتها، أليس هذا افتضاحٌ للرغبة في عدم الرؤية؟ زيفٌ للنفس؟ تهرّبٌ من حقيقة موجودة؟
علاء الدين حسو
كاتب وإعلامي سوري