الثورة السورية ومقتل سليماني


 

 

شغل قاسم سليماني مساحة مهمة في تطورات أحداث الثورة السورية، فهو مهندس الجزء الكبير من هذه الأحداث، وقد كان وصوله إلى سورية مُبكراً، لجعل سورية موطناً لصراع ديني لايتوقف، فاستعاض عن الجيش السوري بمليشيات طائفية من نوع مطابق لما ينجح فيه عادة.

شارك سليماني في وضع استراتيجية نظام الأسد في المواجهة الوحشية للثورة السورية منذ اندلاعها في آذار/مارس 2011، وهو من فاوض الروس لإقناعهم بالتدخل المباشر في سورية، ومن قاد ميدانياً معركة إعادة السيطرة على شرقي حلب أواخر العام 2016. وبالتالي فليس من المفاجئ أن يولد مقتله الفرح وشفاء الغليل لدى نسبة كبيرة من السوريين الذين تعرضوا لبطش النظام على مدى السنوات التسع الماضية.

ولكن في الوقت ذاته ماذا نجني من مقتل سليماني بصواريخ أميريكية، هذه الصواريخ التي لم يحركها مقتل وتشريد آلاف العائلات في إدلب، مع علمنا بأن آخر ما تكترث به واشنطن هي مصالح شعوب المنطقة، وهي لم تتحرك إلا عندما بدأت أذرع قاسم سليماني بتهديد مصالحها. وبالتالي فإن الصراع الذي مات فيه سليماني هو صراع آخر غير الصراع الذي يخوضه السوريون، هو صراع لا حضور فيه لحقوق السوريين وأحلامهم.

وفي قناعتنا فإن سليماني هو فرد ضمن منظومة لن تكف عن عملها، ولكن مع ذلك، يخطئ من يعتقد أن النفوذ الإيراني ما بعد سليماني سيكون مثل ما كان قبل مقتله، واعتقاد كهذا يحيد خصوصية القائد وأهميته في صناعة الأحداث وتوجيهها. يمكن تشبيه قاسم سليماني بعمود الخيمة الإيرانية فوق الدول العربية، فهو مهندس منظومة الوجود الإيراني في العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن. ومن الصعب على من يخلفه في القيادة إدارة هذه المنظومة بدرجة السلاسة والإتقان نفسها. وبالتالي فإن مقتله سيربك إدارة إيران لصراعاتها في المنطقة، خصوصًا أنه يحصل في لحظة مفصلية، إذ تواجه إيران تحدّيات شرسة، حتى من حليفها الروسي. 

ومن الملفت أنه في نيسان الماضي، عقد معهد واشنطن اجتماعاً مغلقاً لمناقشة التأثير المحتمل لغياب قاسم سليماني. وناقش المشاركون الطريقة التي يمكن أن تعمل بها الخلافة في «فيلق القدس» وما الذي ستخسره إيران إذا ما أصبح سليماني غير متاح بشكل دائم، وتوصلوا إلى توافق في الآراء على أن سليماني قد أصبح رصيداً استراتيجياً ذا قيمة كبيرة للحكومة الإيرانية التي يهيمن عليها «الحرس الثوري» بسبب المزيجة الفريدة لسليماني المؤلفة من خصائص عدة: (قريب من خامنئي، مجازف، صاحب شخصية ملهمة وجذابة بنى قاعدة أتباع قوية بين العرب، ملتزم ومتسق، محور التنسيق). وبالتالي فهو يعتبر مخولاً لقيادة نهج الحكومة الإيرانية بالكامل في التعامل مع التدخل الإقليمي، فهو رمز ظاهر لقوة «الحرس الثوري» الإيراني، التي كانت على مدار سنوات تعتمد على ركيزتين: الصواريخ، وسليماني الذي يُعتبر وجه القدرات الاستطلاعية لـ «قوة القدس».

ويمكن إعتبار أخطر ما صنعه سليماني هو التشكيلات العسكرية المنتشرة في المنطقة، والتي تعد بمئات آلاف المتطوعين الذين ينضوون في مليشيات عديدة تعتبر أهم أدوات إيران. وأخطر ما في هذه المنظومة أنها تشكّل أجساماً منفصلة عن الدول التي تتبع لها، وتهدف إلى تنفيذ المشروع الصفوي في المنطقة وتمثل المحافظة على النظم الحاكمة في بلدانها في سلم أولويات هذا المشروع.

وإن كان سليماني لم ينجح بداية في البيئة السورية، فكان أن استقدم فصائل مقاتلة من باكستان وأفغانستان والعراق، إضافة إلى مشاركة حزب الله اللبناني. فإن "نجمه الذي يخصنا" سطع بعد انطلاق الثورة السورية، وبالتالي كنا نستحق رؤيته في قفص العدالة، كي نطلع على الحقائق والأدوار التي لعبها وذهب ضحيتها عشرات بل مئات الآلاف من أبناء ثورتنا.

وعلى الرغم من قناعتنا بأن الاغتيال هو ضربة للتموضع الإيراني في سورية، إلا أننا نخشى أن لا يؤدي ذلك إلى تغيير الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، ومن هنا تبرز الحاجة إلى بلورة دور فاعل لقوى الثورة لإستثمار هذا الظرف التاريخي لمحاولة تقويض إمكانية إستمرارية المشروع الصفوي في منطقتنا ومنع إي شخصية بديلة عنه من أن تستطيع الوصول إلى إمكانية إستمرارها في أداء ذات الدور التخريبي الذي كان يقوم به، وتحويل قوى الثورة إلى عناصر في صراع أكبر مبتعدة عن أهدافها الأولى، ما يجعلها تفقد قيمتها الثورية.

 

 

د_ مروان الخطيب

كاتب وباحث سوري

 
Whatsapp