ممالك النار وماذا بعد ؟؟


 

تدور أحداث المسلسل ممالك النار حول الحقبة الزمنية في بداية حكم العثمانيين لسورية ومصر وعن تمدد الامبراطورية العثمانية التي تتراوح بين القرن الخامس عشر والسادس عشر وعن سقوط دولة المماليك. وقد أثار المسلسل جدلاً واسعاً لما يحمله من تشويه للتاريخ العثماني والامبراطورية العثمانية، فرد بعض المؤرخين والسياسيين الأتراك على عرض المسلسل إذ يقول الدكتور عمر قورقماز كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي السابق (إن المسألة ليست فقط هجوم على تركيا وإنما الهجوم على الإسلام والتاريخ الإسلامي).

شن مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي أيضًا هجوماً على المسلسل وقال عبر تغريدة على تويتر ما الذي يخدع به ممالك النار؟ ووصفه بأنه حملة لتشويه التاريخ العثماني لاستهداف تركيا بعد الانجازات الأخيرة التي حققتها. وقال لا شك أنّ من بين العرب خونة ضربوا الدولة العثمانية من الخلف، وهناك من دافع وكان هناك كذلك من خانوا الدولة العثمانية من شعوب أخرى، وفعلوا ما هو أكثر من الخيانة، لكن لم تقل تركيا يوماً عن العرب أنهم خونة، ولم تذكر هذا عبر جميع برامجها هذا الشيء. فهناك من العرب وسائر الشعوب العثمانية الأخرى من كان مخلصًا للخلافة الإسلامية لدرجة جعلته يحارب ويستشهد جنبًا إلى جنب مع الأتراك في جنق قلعة وطرابلس الغرب وبلاد الحجاز وسائر الجبهات الأخرى.

أضاف أقطاي: وجهة النظر هذه ما هي إلا وجهة نظر مريضة ومتهمة إلى أبعد الحدود.

أثار المسلسل جدلاً واسعاً لما يحمله من تشويه للتاريخ العثماني وأخطاء كثيرة في حلقاته ومن بعض هذه الأخطاء قتل بيا زيد الثاني والده محمد الفاتح عن طريق تسميمه وهو غير صحيح فالسلطان محمد الفاتح توفي مريضاً في فراشه وليس أثناء أي معركة كما ذكر المؤرخ الألماني فرانز بانجر الذي كان متخصص في التاريخ العثماني في فترة محمد الفاتح وذكر أيضاً المؤرخ أن السلطان توفي في مدينة كوكالي وهي محافظة قريبة من اسطنبول وليس في مدينة تال بالي  وأشار المسلسل إلى أن السلطان محمد الفاتح هو من أقر قانون قتل الأخوة لبعضهم من أجل الوصول الى السلطة، وأشار إلى وجود صراع بين الفاتح وإخوته وهذا غير صحيح. أما عن دور السلطان سليم ابن بيازيد فقد أظهر كاتب العمل السلطان بالمتوحش والقاتل فشاهدنا قتل سليم لابن عمه جم الصغير أو جوز عن طريق كسر رقبته وهذا غير صحيح لأن جم كان لديه فقط ولدين وهما مراد وعبد الله.

وظهر أيضاً زواج سليم وهو في عمر صغير لا يتجاوز العشر سنوات وفي الحقيقة أن السلطان سليم عندما تزوج للمرة الأولى كان عمره 24 عاماً. وظهر في المسلسل أيضاً قتل السلطان سليم لأولاده الرضع حرقاً وهذا غير صحيح لان السلطان كان لديه 6 أبناء صبيان و6 بنات وليس ولد واحد كما عُرض، فمعظم أولاده توفوا بسبب المرض وتم نفي اثنان منهم بعدها. وظهر في المسلسل أيضاً قتل السلطان سليم لزوجته الأولى خنقاً وهذا غير صحيح، حسب جميع كتب التاريخ. وأظهر المسلسل أيضاً طريقة انتقال الخلافة من الدولة العباسية إلى الدولة العثمانية كيف أن سليم أجبر الخليفة العباسي على مبايعته وظهر بعد الغموض في المسلسل عن طريق مجموعة من الملثمين لا أحد يعرف عنهم شيء هم من يساعدوا السلطان سليم ويقولون له ماذا يفعل وعبر جميع الكتب لم يذكر هذا الشيء بوجود مجموعة ملثمة على الإطلاق فما الذي يحاول الكاتب إيصاله عبر هذه المشاهد التي لم يذكرها التاريخ بل خيال الكاتب فقط.

وأظهر المسلسل أيضاُ السلطان بيازيد الثاني ابن الفاتح بدور الضعيف الذي لا رأي له ناقمٌ على أباه الفاتح يهاب أولاده وأظهره أيضاً بأنه لا يستطيع التخلي عن المشروب لا في الليل ولا في النهار وهذا الشيء غير صحيح فالسلطان بيازيد عُرف بتقواه ومواصلته في حياته على أداء صلاة الفجر في جوامع اسطنبول وأثناء عهده قامت الدولة العثمانية بفتوحات وصلت لدولة البندقية التي انتصر عليها، وعرف عنه أنه يؤلف الشعر ويؤلف الموسيقى ويتقن فن الخط العربي وظهر أيضاً أن السلطان سليم قام بقتل السلطان بيازيد عن طريق تسميمه وهذا غير صحيح بدليل أن الأمير أحمد ابن بيازيد بعث برسالة الى السلطان قانصوه الغوري أشار فيها أن والده توفي على فراشه بموت طبيعي ويحتفظ بهذه الرسالة في أرشيف قصر التوب كابي في اسطنبول وهذا ما لم يتم عرضه في المسلسل وفي نهاية المسلسل كُتب عبارة أن السلطان سليم سُمي بالسلطان غازي لأنه غزى بلاد العرب وهذا الشيء خاطئ، وربما الكاتب لا يعرف اللغة التركية ولا يعرف معنى كلمة غازي التي تعني الشجاع ولُقب عند الأتراك بالغازي نظرًا لشجاعته وتصميمه في ساحة المعركة .

كل هذه الأخطاء ظهرت في المسلسل وتغافل كاتب العمل عن أحداث كثيرة ظهرت في هذه الحقبة ومنها الظروف الاقتصادية السيئة التي كانت في عهد المماليك وحالات الفساد الإداري وتفشي مرض الطاعون آنذاك، ولم يظهر أيضاً فتوحات الدولة العثمانية في ذلك الوقت بل أظهر الدولة كدولة محتلة همها جمع الأموال واغتصاب النساء وكفترة مليئة بالمجازر التاريخية. 

ويبدو أن بعض الجهات تحاول تشويه التاريخ العثماني عبر المسلسلات وأيضاً بعد نجاح المسلسلات التركية، وخاصةً التاريخية ومنها أرطغل والسلطان عبد الحميد الذين حققا نجاحاً باهراً

وقد كانت مجموعة MBC  اشترت معظم المسلسلات التركية بشكل حصري لها في بداية موسم المسلسلات التركية، فهذا المسلسل لا يستهدف فقط الدولة العثمانية وإنما الدولة التركية الحالية لبث روح الفتنة بين الشعبين العربي والتركي، فالعرب من القديم حتى الآن لم يعتبروا الدولة العثمانية دولة محتلة كما يظهر المسلسل، بل بالعكس كانوا مخلصين للخلافة الإسلامية العثمانية ومؤمنين بها لدرجة جعلت الكثير من العرب يحاربون مع الدولة العثمانية في معارك كثيرة منها جنق قلعة وطرابلس والحجاز، وشاهدنا في السنوات الأخيرة كيف كانت وجهة العرب السياحية الأخيرة هي تركيا لما يحملون لها من مشاعر الأخوة والدين المشترك. 

هذا المسلسل يحمل الكثير من الأكاذيب والتناقضات فأبطال المسلسل كلهم يدعمون أنظمتهم الاستبدادية من نظام بشار الأسد إلى نظام عبد الفتاح السيسي فأين هم من المعتقلين والمغيبين في سجون المستبد؟؟  لم يجرأ أحد من الممثلين أو حتى كتاب السيناريو عن إفشاء أسرار الدول المستبدة بل ذهب إلى الماضي؟ وهل سيستجيب الناس وبالأخص العرب إلى هذه الرسائل المشوهة ومن ثم يحذفون من عقولهم تاريخهم؟ الأيام التي نعيشها تحتاج إلى إعلام يجمع ولا يفرق، نحتاج إلى مد الجسور بين القلوب والمؤسسات والقطاعات المجتمعية وليس إثارة الأحقاد التي تفرق ولا تجمع.

 

 

آلاء العابد

كاتبة سورية

 
Whatsapp