تقول أميركا (ومنذ نشأتها) ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول، ولطالما واصلت المناورة السياسية والخداع بأساليب كثيرة ومتنوعة، بعض تلك الأساليب تمكنت من تسويقه وبعضها الآخر أمسى بضاعة فاسدة وممجوجة من كثرة استعمالها.! 

واضح أن الإدارة الأميركية الحالية غير بعيدة في مواقفها بما يخص النزاع في الشرق الأوسط عن ذات المواقف السابقة لأكثر الأنظمة الأميركية تطرفاً وعداءً للإسلام ودعماً لإسرائيل. 

الفرق يكمن في توضيح وتصريح الإدارة الحالية عن بعض أهدافها وكشفها للعلن، بينما كانت معظم الإدارات السابقة تكتفي بالعمل المخالف لما تعلنه عبر الإعلام، حيث كانت (على سبيل المثال) ترفض عملية توسيع المستوطنات الإسرائيلية "إعلامياً" بينما هي أكبر داعم لإسرائيل ومشاريعها في الواقع الملموس، أما اليوم فالمرحلة /أميركياً/ على ما يبدو تتطلب المزيد من الصراحة ومن الوقاحة. 

لأميركا أهداف ومخططات كبيرة قد أعدتها للمنطقة وقد ظهرت تلك المخططات بصورة واضحة ووقحة ولا لبس فيها على لسان "كونداليزا رايس" في مطلع عام 2005 حيث أدلت "وزيرة الخارجية الأميركية "بتصريح عبر "واشنطن بوست" الأميركية عن نية أميركا نشر "الديموقراطية" المزعومة في العالم العربي والبدء بتشكيل "شرق أوسط جديد" وذلك عبر نشر "الفوضى الخلاقة" في المنطقة.! 

أميركا وراء كل ما تعرضت وما تتعرض له الكثير من الدول العربية، أميركا هي من زرعت وتزرع الفتن داخل المجتمعات الإسلامية،  وهي من تشُب نيران الخلافات والحروب بين دولة عربية وأخرى لتقر عين إسرائيل وتعزز نفوذها في المنطقة، أميركا هي من فرّقت وتُفرّق أبناء الوطن الواحد، هي من تمزّق الشعوب داخلياً ومن ثَّمَ تعمل على إشعال فتيل الصراع الداخلي في كل بلد إسلامي أو عربي ، أميركا هي أم الإرهاب فهي من استغلّت نخوة وحميّة شباب الأمة واندفاعهم، فصنعت وهجَّنت السرطان الخبيث الذي نهش ولا يزال ينهش في جسد أبناء هذه الأمة باسم "التطرف الإسلامي" وصدّرته إلى المنطقة كي يوفر لها المسوغات والذرائع لتقتل وتذبح وتُشرد المسلمين باسم "مكافحة الإرهاب".

أميركا عدوة السلام، فمن يعتاش على النزاعات والصراعات والحروب لا يمكن أن يؤيد السلام، هي من تخطط وتعمل وتموِّل بتنسيق مع ربيبتها إسرائيل، أما التنفيذ فهو بالوكالة عبر عملائهم من الأنظمة الوظيفية ومن لفّ لفهم ممّن يخدم مشروعهم التخريبي في المنطقة، وبالرغم من كل ذلك فإن أميركا اليوم مستعدة للتضحية علناً بأحد أذرعها العميلة المتشعبة، إن كان الأمر يؤدي إلى سلامة باقي الأذرع المُطيعة.

ومنطقها السياسي مبني على تلك النظم والقواعد، وتاريخها مليء بالأمثلة المشابهة، اذلك لا تستغربوا إن رأيتم الولايات المتحدة وهي تضرب أحد عملائها، فهي لا يمكن أن تستمر بدعم جهة إن شعرت بأن دعمها لهذه الجهة يمكن أن يفقدها السيطرة على بقية الجهات، فالثابت عند أميركا هو ضرورة الاحتفاظ بكامل خيوط اللعبة، لا أن تعرّض أذرعها للخطر من أجل عيون أحد تلك الأذرع مهما كان مدللاً أو مميزاً.

محمد علي صابوني

كاتب سوري