في رثاء الزيتون


 

                                                        

 

 

كنت أزور صديقي حسن في ريف إدلب، كنت أقبّل يد والدته آمنة وأعانق إخوته وأولاد عمه وأولاد خاله والجيران، الكل كان ينظر إليّ كما لو أنني حسن، وكنا دائماً نتناقر أنا وخاله الصغير ناصر الذي كان يعتبر أن زيتون إدلب هو أفضل زيتون في الشرق الأوسط، وأن زيت زيتونهم هو الأول في العالم، لكنني كنت أعترض على كلامه وأقول له إن زيتون عفرين هو الأول، في كل زيارة لبيت حسن كنت أتناقر مع خاله فتتدخل آمنة لفض الخلاف بيننا بصفعة خفيفة لناصر وأخرى لي ونضحك.

حين فكرت بالسفر ذهبت لوداعهم ومكثت أياماً ثلاث عندهم، وحين مضيت بكى حسن وبكت آمنة، وبكى أولاد عمه والأخوال، وأكثرهم بكاء كان ناصر. قبل أن ينطلق الميكروباص سألني ناصر وأنا داخل الباص عن زيتونهم فجاوبته بأنه لا بأس به لكن زيتون عفرين هو الأول فشتمني وصفعته آمنة وأنطلق الباص وصوت حسن يأتيني: (لا تقطع عنا الرسائل يا محمد).

قضيتُ سنيناً في ألمانيا وكان حسن يزور أهلي كلما مر في حلب، وكنت أفرح كلما أسمع من أمي بأنه زارها، ومرت سنون وسنون واشتعلت البلاد، والناس تفرّقت في كل اتجاه، وانقطعت أخبار حسن.

بعد عامين كتب لي أحدهم على المسنجر باسم مستعار بأنه يريد الاتصال بي فقبلت الاتصال، وكان صوته صوت حسن ، كان هارباً من الموت بعد عامين في سجون النصرة ، حدثني عن ثلاثة من أولاد أخواله استشهدوا في جبهة حمص، وأن شقيقه الأصغر تم رميه بالرصاص لأنه فكر بالهرب من الثكنة التي كان يخدم فيها لجيش النظام، وحدثني عن آمنة التي نزحت إلى عفرين مع أطفاله، وحدثني عن اختفاء ابن عمه علي في فرع الجوية، ثم حدثني عن ناصر الذي مات في تفجير سوق الخضار، ثم انقطعت أخبار حسن، كتبت له عشرات الرسائل على المسنجر لكنه لم يفتح واحدة منها. بعد عام كتب لي بأنه للتو خرج من السجن في تركيا حيث كان يعمل في مزرعة ليل نهار ليجمع النقود للسفر ولمساعدة امه وأطفاله، لكن صاحب المزرعة لم يعطه شيئاً واتهمه بالسرقة فأدخلوه السجن، وحين أفرجوا عنه رموه على النقطة الحدودية فاستلمته الفصائل في معبر باب السلامة ورمته في السجن وانقطعت أخبار حسن. كتبت له مئات الرسائل لكنه لم يفتح واحدة منها وفي آخر رسالة كتبت له:

يا حسن اعرف أنك في سجن ما أو ميتاً في مكان ما، أردت فقط أن ترى كم من الرسائل كتبت لك ليس لأنك حين ودعتني ومضى بي الميكروباص جاءني صوتك بأن لا أقطع عنك الرسائل، ليس لهذا يا حسن، فأنا أكتب لك لأنني أحبك يا حسن، أنا اعرف بأنك غادرت هذه الأرض اللعينة لأنك لو كنت حياً لكتبت لي، فأنا أعرفك يا حسن. ها أنا أكتب لروحك الحائرة في مكان ما بأنني أفتقدك كثيراً وأتذكر أيامي معكم، يا حسن قل لناصر بأنني كنت أمازحه فزيتنا وزيتكم واحد.

يا حسن لم يبق فرق بيننا فزيتوننا سُرق، وزيتونكم يحترق.

 

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

 
Whatsapp