من الواضح أن القوى الأجنبية التي تقوم بدعمه، تنال نصيبها من الثروات التي يحتلها. وعلى رأس تلك الدول تأتي الإمارات العربية المتحدة. إن وجود تلك الدولة وراء كل فتنة في العالم الإسلامي؛ باتت معلومة محفورة في ذهن وعقل الجميع. طبعًا نحن حينما نقول "دولة" فإنني ننزه الشعب وحتى قسمًا كبيرًا من المسؤولين عمّا نصف به تلك الدولة. إن ذعر محمد بن زايد من الديمقراطية وكراهيته لها، ينبع إلى حد كبير من هاجس شخصي فيه. حتى ولو لم يكن هناك ثروات طبيعية في ليبيا، فإن وجود حكومة طرابلس الشرعية التي تمثل الشعب الليبي، كافيًا لأن يكون سببًا لإشعال فتنة من قبل محمد بن زايد. إن حربه مع الديمقراطية فحسب، لكنه يحاول تسويق تلك الحرب على أنها حرب ضد الإرهاب.
لا مصداقية إطلاقًا، لمن يعتبر رأس حربة الإرهاب في العالم الإسلامي، حينما يقوم بالتسويق لنفسه على أنه البطل الذي يحارب الإرهاب. إن أكبر إرهابي في ليبيا، هو ذلك الذي يقوم ابن زايد بدعمه بالسلاح وغيره، من أجل احتلال ليبيا. إن أكبر داعم لحفتر في ليبيا، هي السلفية الأكثر تشوّهًا والتي هي الأخرى مدعومة من قبل محمد بن زايد وتتحرك سوية مع حفتر. تلك السلفية المشتوهة التي نتحدث عنها، هي التنطع باسم الإسلام، والتعصب الأعمى، وعدم تحمل الآخرين، والراديكالية، وإن من الواضح بشكل تام، أن هذه لا علاقة لها بالسلفية الصالحة لا من قريب ولا من بعيد، بل يتم تغذيتها مباشرة من قبل السعودية والإمارات. لقد قاموا مؤخرًا بتسليم مدينة سرت دون أدنى مقاومة لقوات الانقلابي والمحتل حفتر، وخانوا شعبهم.
هناك الكثير من المرتزقة جاؤوا من السودان ودول إفريقية، ويقاتلون ضمن صفوف حفتر، وتحاول إدار الانقلاب بكل ما فيها ساعية أن تقف على قدميها معتمدة عليهم. باختصار، إن التدخل الإماراتي في ليبيا واضح للغاية، وإنه لا يجلب أي شيء للشعب الليبي سوى عدم الاستقرار والقتل واللجوء والفقر. واليوم يتسبب انعدام الاستقرار هذا، بترك الليبيين بيوتهم مهاجرين نحو دول أخرى.
بالطبع ليس الإمارات وحدها من تقوم بدعم حفتر في ليبيا، هناك فرنسا ومصر، وروسيا وحتى الولايات المتحدة قامت بدعمه. وإن هذا الداعم لا يزال مستمرًّا على الرغم من إعلان الأمم المتحدة حفتر مجرم حرب، مقابل اعترافها بحكومة طرابلس وحدها كحكمومة شرعية في ليبيا.
وبينما الحال كذلك، هناك الخارجية السعودية نراها قد أدانت قرار البرلمان التركي حول إمكانية إرسال جنود إلى ليبيا، وإن أكثر شيء ملفت للنظر بل والأكثر فضيحة في تلك التصريحات؛ ما ورد في بيان الخارجية: "إن هذه الحملة التركية تشكل تهديدًا للأمن والاستقرار الليبيين، فضلًا عن تهديدها للدول العربية والمنطقة، إضافة إلى أنها تخرق المعاهدات والمبادئ الدولية بشكل واضح، وهي بمثابة تدخل في شؤون دولة عربية".
لقد قلنا سابقًا بمناسبات مختلفة وأكثر من مرة، أن الجامعة العربية بشكل عام، والآن السعودية بشكل خاص؛ لا يتذكرون أنهم عرب سوى أمام تركيا، لماذا يا ترى؟. هناك مثلًا إيران، روسيا، الولايات المتحدة فرنسا وإسرائيل، كل هذه الدول غير الرعبية قد قلبوا سوريا رأسًا على عقب، وتسببوا بمقتل أكثر من مليون عربي مدني، وتهجير 12 مليون آخرين من بيوتهم، وسوّوا الإرث الحضاري التاريخي الثقافي الإسلامي-العربي أرضًا؛ ومع كل ذلك فإن السعودية لم تتذكر أن سوريا دولة عربية، إلا عندما تدخلت تركيا لإيقاف حمام الدم بحق المزيد من العرب السوريين، وإيقاف تهجير المزيد منهم.
الشيء ذاته يحصل في ليبيا. الكل في ليبيا يضرب بالشعب العربي الليبي. لكن حينما يدعو الشعب الليبي بنفسه برضا من ذاته، لدولة مثل تركيا؛ فإن السعودية ترفض ذلك باسم العروبة، ولعمري إن ذلك من التناقض ما يزيد الأمر عارًا وعارًا.
لكن دعونا نذكرهم بواجب عروبي كمثال حي واقعي يمكن أن يقوموا به باسم العروبة ذاتها حيث إنهم يهملونه ويغفلون عنه؛ الآن هناك إخوة لنا من العرب البؤساء يفرون من جحيم قصف الأسد وروسيا وإيران على مدينة إدلب، في ظل ظروف الشتاء القاسية. هيّا فليُدينوا قصف الأسد وروسيا بسبب قتلهم وتشريدهم للمدنيين العرب.
دعونا من الإدانة، بل دعونا نسأل، لماذا المدنيون العرب يفرون من جحيم القصف نحو تركيا، وليس نحو السعودية مثلًا؟
أليس السبب هو السبب ذاته الذي يقف وراء طلب المدنيين الليبيين الذين يتعرضون للقصف؛ المساعدةَ من تركيا لا السعودية؟
إذا كان هذا لا يكفي لأخذ الدرس والعبرة، فماذا يمكننا أن نقول أكثر من ذلك؟.