سوريا التي صدرت أول أبجدية في العالم "اوغاريت" ، سوريا إيبلا و تدمر و بصرى، سوريا أم الحصون و الأسوار و القلاع ...... أبناؤها اليوم سليلو هذا المجد العريق الضارب في شعاب التاريخ حملوا هذا الصرح الحضاري الذي عمره آلاف السنين ، بل و أخذوا يصدرونه حين اغتالت يد الحرب اللعينة دار السلام هناك و تفرقوا في شتى بقاع الأرض، سوريا بمعالمها الأثرية و تراثها الثقافي خرجت من أرضها الى بلاد اللجوء في الحرب الأخيرة.
إن الأحداث الدائرة على الأرض السورية أجبرت الكثير من حملة الشهادات العلمية و الأرصدة البنكية على الهجرة إلى دول الجوار التي أثروها ماليا و ثقافيا ، و ذلك بهجرة العقول و رؤوس الأموال و ذلك كله داخل ضمناً في الثقافة التي تكون عليها نشاطات السوريين و تؤدي بذلك إلى عمليات التبادل الثقافي عن طريق النشاط التجاري أو الفكري الذي يقوم به السوريون على الأرض التي هاجروا إليها. لنتناول بالمثال تركيا التي شهدت تدفق مالي من التجار السوريين بالإضافة إلى البضائع السورية التي دخلت السوق التركية بقوة و استطاعت الاندماج بالسوق بمرونة، خاصة في ولاية غازي عنتاب التي تعد امتداد لمدينة حلب السورية تاريخياً و جغرافياً .
وإن من أكثر النشاطات السورية اندماجاً و مرونة هي المطاعم السورية التي تقدم المأكولات السورية فالمطبخ السوري لاقى رواجاً وقبولاً جيداً من المجتمع التركي. وعلى صعيد منظمات المجتمع المدني تقيم التجمعات الشبابية السورية فرق تطوعية تقدم خدمات إجتماعية من خلال نشاطات دمج اجتماعي بين الأتراك و السوريين لكافة المراحل العمرية "الأطفال و الشباب" مما يساعد على عملية الاندماج الإجتماعي للسوريين على الأرض التي وجدوا عليها في لفتةٍ حكيمة و واعية من قبل الجالية السورية.
أضف على ذلك دورات تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها والتي يقيمها السوريون للأتراك لكي يتعرفوا على المجتمع السوري عن قرب؛ لأن اللغة هي وعاء الثقافة و عنصر التفاهم و التواصل الأهم لدى الشعوب، كذلك لردم حاجز الهوة بين الشعبين السوري و التركي سعت الدولة التركية لتعليم اللغة التركية للمهاجرين السوريين عبر منح تعليمية تقدمها لهم بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني مما سهل عملية الإندماج الإجتماعي بين الشعبين .
و مما عُـلم بالضرورة من واقع الحياة في عصرنا الراهن هو أن ضرورة السلام تفرض على الحضارات الإندماج فيما بينها لتشكل مزيجاً متجانساً و تقلل الإختلافات فيما بينها في سبيلٍ لتخفيف الصراع الناشئ عن الإختلاف الثقافي و الحضاري، وبالتالي تنجذب الحضارات لبعضها البعض دون تنافر أو صراع، و بذلك نكون قد محونا سبباً من أسباب الصراعات بين الشعوب و كللنا علاقتهم بالمودة و التفاهم و العيش الإنساني المشترك.
و خير دليل أستند إليه في تأييد كلامي هو منح الجنسية للأكاديميين السوريين في تركيا، فقد عرضت الدولة التركية جنسيتها على السوريين من حملة الشهادات العلمية و المواهب الفذة لتزيد بهم حجم الثروة البشرية و بذلك يصبح السوري هو الورقة الرابحة للدولة التي يهاجر إليها قسراً بعد أن هرب من بلده خوفاً من بطش الآلة الحربية لنظام طغى و تجبَّـر و لم يردعه عن إجرامه عهد و لا ميثاق.
و على ضوء ما سبق لم يكن السوريون عالة على أي دولة هاجروا إليها لأنهم حملوا بهجرتهم تلك زخماً ثقافياً أثروا به كل أرض وطأتها أقدامهم بالإضافة إلى الانتعاش الإقتصادي الذي تشهد به غرف التجارة فقد ضخ رجال الأعمال السوريون أموالهم على شكل مشروعات كان عائدها بالنفع على البلد الذين يقيمون فيه.
جواهر سليمان
كاتبة سورية