ازدواجية (الاتحاد الديمقراطي - الكردي) بين المعارضة والنظام


 

 

بعد الفشل الواضح لمشروع حزب العمال الكردستاني، بنسخته السورية، ممثلا بحزب الاتحاد الديمقراطي، وكافة متفرعاته وتسمياته، يحاول مرة أخرى العودة إلى صفوف المعارضة الوطنية، وأطرها القائمة، تأكيدًا لحضوره في الساحة السياسية، عبر أكثر من مدخل، مرتكزًا على حالة الصراع الاقليمي بين المحاور، والمشاريع، القائمة والمشتبكة في أكثر من مكان وموقع، وفق منطق براغماتي غير خاف على أحد. بعد التخلي الأميركي عن دعم "المشروع الكردي"، بشكل شبه كامل، وما نتج عن ذلك من تقهقر وانكفاء إلى المناطق الخاصة به، عاد هذا الحزب للعمل على تحقيق اختراقات على جبهات أخرى، فهو يعمل الآن على خطين متوازيين. أولهما: فتح حوار مع نظام دمشق، برعاية وإشراف روسي، بدأه منذ فترة ولكنه تعثر، وهناك سعي لتجديده الآن، لانتزاع مكاسب سياسية منه، وهو الذي لم تنقطع صلاته معه إطلاقًا، بل ونسق معه في كثير من معاركه العسكرية والأمنية والسياسية. وثانيهما: محاولة العودة الى صفوف المعارضة السورية، والهيئة العليا للمفاوضات، وذلك من خلال منصة القاهرة، التي تحضر لعقد مؤتمر لها في شباط/ فبراير القادم، حسب كافة المعلومات المتداولة، يشارك فيه حزب الاتحاد الديمقراطي، بناء على مشاركته في مؤتمرها التحضيري في كانون ثاني/ يناير 2015، ومؤتمرها التأسيسي في حزيران/ يونيو من العام نفسه، قبل أن يدير ظهره لها. وفي كل ذلك يسعى إلى تحقيق مقاصد وغايات خاصة به، تخدم مشروعه، الذي هو أصلًا مشروعًا عابرًا للحدود، وخارج الاجماع الوطني السوري. الجدير بالذكر أن (حزب الاتحاد الديمقراطي) انتهج مسارًا خاصًا به في سياق الصراع الميداني _ العسكري، ساقه منذ نهايات 2015 للانقلاب على المعارضة السورية، ومبادئها الأساسية التي كان يدعيها (رفض العسكرة والاحتكام للسلاح)، التي كان جزءً منها، فخرج من (هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي) الذي كان من مؤسسيها، وجمد نفسه في (منصة القاهرة) التي كان أيضًا من مؤسسيها، وابتدع فكرة الإدارة الذاتية_ مسد، إلى جانب قسد_ قوات الحماية الشعبية، التي أقحم في هياكلها بعض الفئات غير الكردية، ليعود اليوم ويطرح نفسه طرفا سوريًا، تارةً معارضًا للنظام، وأخرى قابلًا به وبالحوار والجلوس معه على طاولة واحدة. كل ذلك دون أن يقوم بما تقتضيه هذه العودة اليوم، إلى صفوف المعارضة - إن صدقت نواياه وتوجهاته - كإجراء مراجعة جذرية، لتجربته السياسية والعسكرية خلال السنوات الماضية، وتأكيد سوريته، وقطع صلاته بالنظام، إضافة لما يترتب على ذلك من ملفات تتعلق بانتهاكاته العدوانية الثابتة لقواعد حقوق الإنسان عبر السنوات الماضية، وصلت إلى مستوى جرائم التطهير العرقي والابادة التي تعاقب عليها القوانين الدولية، حتى يستطيع إقناع عموم السوريين بخطابه ونواياه وتوجهاته. لا أحد يمكنه إنكار حقوق "الأكراد"، كمكون أصيل من مكونات الشعب السوري، عمل نظام الأسد، الأب والابن، على التنكر لها وعدم الاعتراف بها، وهو ما تقره كافة أطراف المعارضة السورية، منذ ما قبل الثورة، واعتبار المسألة الكردية " قضية وطنية "يجب حلها "حلًا عادلًا" في الإطار الوطني السوري، كما أن المعارضة اليوم، وبالمنطق الوطني والأخلاقي، لا تشمت بما آلت إليه موازين القوى على الأرض بسبب الصراع الاقليمي، وما نال عموم الكرد من اعتداءات وانتهاكات، لا تختلف عما أصاب السوريين جميعًا، بعضها مقصود، في إطار حالة الاحتراب القائمة التي تتجاوز مصالح السوريين، ووحدة نسيجهم الاجتماعي، والأمن والسلم الأهليين. محاولات إعادة التموضع في صفوف المعارضة، والحصول على حصة في الهيئة العليا للمفاوضات، ومن ثم في اللجنة الدستورية، في الوقت الذي يعلن فيه رياض درار مسؤول الادارة الذاتية_ مسد عن جولة مفاوضات جديدة مع نظام دمشق تعكس ازدواجية انتهازية متأصلة في تكوين الحزب ونهجه على حساب المعايير الوطنية والمبادئ الثابتة لقوى الثورة والمعارضة، تشبه ازدواجيته السابقة التي انكشفت في بداية الثورة حين كان يتموضع في صفوف (هيئة التنسيق الوطنية) المعارضة بينما كان في الواقع يعمل لتنفيذ مشاريعه العنصرية والانفصالية الخاصة التي ما زال يسعى لها حتى اليوم تحت عناوينه القديمة_ المتجددة، الادارة اللامركزية السياسية، وليس الادارية، وطرحه خطابًا عنصريًا يخلق ويؤسس عداءً عرقيًا لا أساس ولا مبرر له. فكيف يكون وطنيًا وسوريًا وهو يشعل نيران الكراهية والعداوة العنصرية بين مكونين وطنيين أصيلين؟! يخطئ هؤلاء، ومن يدعم توجهاتهم خطأً جسيمًا، إن كانوا يظنون أنهم بذلك يؤسسون وطنًا جديدًا وعقدًا اجتماعيًا مختلفًا، ينهي حالة الصراع الدموي التي تسببوا بها وذكريات الإبادة والتهجير والتطهير العرقي للعرب من مدنهم وقراهم. إن الأدق والأصح القول إنهم بذلك يؤسسون احترابًا أبديا لا يمكن التكهن بنهايته، لا بد أن يغرق عموم السوريين بأنهار من الدم الذي لن ينجوا منه. التسلل من بوابة الصراع الاقليمي والدولي لا يشكل في النهاية حصانة ومأمنًا لأي طرف سوري، وهذا ما يجب فهمه وإدراكه والعمل بمقتضاه.

 

 

عبد الرحيم خليفة

كاتب وباحث سوري

 
Whatsapp