في العام التاسع للثورة السورية


 

 

 

بعد أيام تحل علينا سنة جديدة لانطلاق الثورة السورية، هذه الثورة التي مثلت انفجار غضب شعبي ناتج عن التوتر والاحتقان الكبيرين من سياسات النظام، والتي بلغت درجة الغليان والانفجار التلقائي. مما يستوجب علينا تقييم العوامل التي لعبت دوراً في التعثر الذي أصابها ومنعها من تحقيق أهدافها، والعوامل المحلية والإقليمية والدولية التي تسببت في أخذها بمسارات لا تتفق مع طبيعتها وأهدافها، وأوصلتنا إلى حالة الاستعصاء الراهنة رغم كل التضحيات.

حيث تعيش سورية اليوم أكثر حالات مسارات تاريخها تراجيدية، والقوى الفاعلة في مسارها بكل تناقضاتها واختلافاتها حول النهايات الممكنة جعلت من سيرورتها عملية أكثر تعقيداً بحيث صار لزاماً على النخبة السورية التفكر في معركة المصير السوري الدائرة الآن. ولا شك في أن تحويل الثورة السورية بوصفها حدثاً داخلياً قابلاً للحل الداخلي عن طريق إرادة داخلية إلى مسألة دولية، قد عقد المصير السوري جداً، فقد انهارت فكرة وجود هوية وطنية سورية ومعها مفاهيم المواطنة الحديثة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات لكافة المواطنين، وهذا لم يُبق للفاعلين السياسيين والمواطنين على السواء مجالاً لإنجاز التفاهمات والمصالحات، فكان الانفجار تعبيراً عن رفض المواطنين الحاسم للعقد الاجتماعي الذي كان مفروضاً قسرياً.

وإذا أضفنا إلى ذلك غياب التوافق على أهداف الثورة كل من موقعه، حيث رفع الحراك السلمي أهداف الثورة للوصول إلى نظام ديمقراطي على قاعدة المواطنة وعمّمت وصفها لها بثورة الحرية والكرامة. بينما التيار السلفي وبعد تشكيله الفصائل المسلحة فقد تبنى جهارة إقامة دولة إسلامية أو خلافة على نهج النبوة. وهكذا تم حرف الحراك الثوري للشعب السوري عن مساره، وتم تدريجياً خطف الثورة السورية الوطنية الديموقراطية، وتمزيق وحدة الشعب السوري على مذبح الطائفية، وتمزيق وحدة الأرض السورية على مذبح العرقية، وفي أتون هذا الوضع تم تشريد الشعب السوري في مختلف أصقاع الأرض، بعد أن دمر وطنه.

وإذا كانت الثورة قد تُركت للعفوية، بعد عمل النظام على تصفية الحراك السلمي الذي ضم فئاتٍ شبابيةً وناشطين لديهم قدر من الفهم السياسي، فقد شكّلت المعارضة عبئاً ثقيلاً على الثورة، وأضرّت بها في مختلف مراحلها. إضافة إلى العمل "الخارجي" على الأسلمة والتسليح الذي سهل اللعب بالفصائل المسلحة التي باتت تحتاج المال والسلاح.

مع دخول الوطن في دوامة لم نعد نستطيع اكتشاف نهاية لها، واعتبار الكثيرين ممن شاركوا في الثورة أنها انتهت، وأن ما يجري صراعٌ مسلحٌ دموي، وظهور المجموعات السلفية بأنها هي المسيطرة على المشهد "المضاد للنظام"، كما أن القتل والتدمير والتهجير الذي حدث أظهر ضخامة الكلفة التي ألمّت بسورية، فقد صرنا على مشارف تطور يجبرنا على أن نقول: وداعاً يا حلمنا الجميل، وداعاً يا ثورة الحرية!

وبذلك لا نستطيع أن نرى بداية حقيقية لتكون سورية على الطريق الصحيح، إلا بما كان مطروحاً قبل كل هذا، وهو طي صفحة عصابات النظام والعمل على إقامة نظام وطني ديموقراطي يوفر العدالة والحرية والمساواة لكل الشعب السوري على كامل الأرض السورية، ويوفر الأرضية الحقيقية لاستعادة لحمة الشعب السوري من خلال عملية واضحة وحقيقية للعدالة الانتقالية. ولا بد من أن نتناول بـ "الجلد" المعارضة التي اعتبرت نفسها ممثلة للثورة، من دون أن يختارها أحد، حيث أضحت عبئاً على الثورة وأسهمت في إيصال الوضع إلى ما نحن فيه، ولم تلتفت إلى الشارع الذي يحتاج قيادة فعلية ولم تحاول بلورة خطابٍ يعبّر عن مطالبه، ويضمن توحيد صفوفه، بل كان واضحاً رهانها على الخارج، مما أفضى إلى أن تتحكم "الدول الداعمة" بالقرار، وأن تحدّد أدوار القوى، وتكتيكاتها، وأن تستخدمها في سياساتها، بما يخدم مصالحها هي. وعليه فإنه يمكن الإقرار بأن المعارضة السورية أخفقت، وأضرّت، وعليها الرحيل، وعلى النخب العمل لإعادة الحالة السورية إلى قضية وطن وشعب، وتجاوز حال المسألة السورية بوصفها لعبةُ دول وهو الشرط الضروري للعمل على إعادة صياغة مستقبل سورية الوطني وتحقيق أهداف الثورة.

 

 

 

د. محمد مروان الخطيب

كاتب وباحث سوري

 
Whatsapp