الحديث عن الدور الإيراني في سورية يتسع يوماً بعد يوم، ففي ظل التوغل والتغول الذي ينتهجه نظام "الولي الفقيه" الفارسي، يمنع المتابع من القدرة على رصد حجم الجرائم الإيرانية بحق الشعب السوري.
البداية كانت، حيث تأسيس ما يسمى بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي ليست بالجمهورية بل نظام حكم ثيوقراطي "بلطجي" وليست بالإسلامية بل من خلال ممارساتها يتضح أن الإسلام بريء منها، وهي الفارسية التي تكن العداء التاريخي للعرب وللمسلمين "السنة" تحديداً.
هذه المقدمة هي محاولة لتوصيف تلك الدولة بحد ذاتها، والتي تعتبر "سورية" أول دولة عربية اعترفت بتأسيسها عام 1979م، حيث كان الأسد الأب يحاول إقامة حلف مشترك بينه وبين أي دولة في العالم، بعد انهيار التحالف المصري السوري.
بالرغم من أن حزب البعث "العربي" يتعارض مع المبادئ التي رسمها حافظ الأسد، إلا أنه حالف إيران "الفارسية" والتي تعتبر في الظاهر "إسلامية سياسية" وهذا ما يتعارض تمام التعارض مع مبادئ الحزب الذي امتطاه الأسد الأب لخدمة مصالحه (بغض النظر عن موقفنا تجاهه).
بدأت إيران منذ ذلك الحين تستغل سورية لمصلحتها، كونها ذات موقع استراتيجي يطل على قارات ثلاث، وتقع على البحر المتوسط، وترتبط بحدود أهم خمس دول في الشرق الأوسط.
لكن التعارض المذهبي كان معيقاً لها بالرغم من محاولات نظام الأسد حينها تحجيم وتدمير دور علماء البلد وتهجيرهم، وكذلك بالنسبة إلى المؤسسة الدينية التي لو تم تفعيل دورها، لأطاحت بحكمه منذ البداية، لكنه كان على دراية بذلك، فكسر الحاجز الأول للحفاظ على حكمه.
سعت إيران من خلال استغلال نزوات "جميل الأسد" بتأسيس جمعية المرتضى والتي كان لها الدور البارز في السيطرة على كثير من المفاصل الحياتية في سورية، في مسارات متعددة، عقدية، سياسية، فكرية، تجارية، واستيطانية، وغير ذلك.
اشترت جمعية المرتضى حينها العديد من العقارات السورية لصالح الإيرانيين، كما عملت على التغيير الديموغرافي للعديد من المناطق السورية، في دمشق جنوباً والمنطقة الشرقية من سورية على وجه الخصوص.
هذا الدور استمر، بشكل غير مفضوح أو علني، إلى أن انكشف بشكل واضح لا يغيب، أوضح من الشمس في النهار، حيث جاءت الثورة السورية لتكشف جميع المخططات والمصالح الدولية، والمؤامرات الداخلية والخارجية على سورية، أرضاً وشعباً، وكان المتآمر الآول، نظام الأسد.
الإيرانيون المحتلون، عملوا للسيطرة على سورية، في مسارات متعددة، ومن بين ذلك، المسار الإستيطاني، كحالة الإستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة، فالنشاط العمراني وإنشاء تجمعات سكانية يهودية حديثة على أرض فلسطينية، ومشروع الاستيلاء على الأرض من سكانها الأصليين وبعدها من سكانها المهجرين. جرى قبل بناء الدولة وبعدها.
تلعب إيران اليوم دوراً كبيراً في الإستيلاء على العقارات في سورية لصالح ميليشياتها، وذلك ضمن السياسة التي تنتهجها، في توسيع حركة بناء الحسينيات والمراكز الثقافية الإيرانية، لتتجاوز العقود العقارية العاصمة دمشق وريفها الجنوبي، وتمتد إلى محافظات أخرى، منها حلب ودرعا ودير الزور، وذلك كله بتسهيل من نظام الأسد وإصدار قوانين متعلقة بالخطة الإيرانية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، سيطرت إيران على حركة سوق العقارات في دمشق بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة فالسيطرة التامة على السوق العقارية تخدم مصالح إيران المستقبلية في سورية، خاصة في الأحياء الجنوبية ودمشق القديمة، ومنذ عام 2015 اشترت أكثر من 8 آلاف عقار من سوريين مقيمين في دمشق لصالح إيرانيين استوطنوا المدينة مؤخراً.
إضافة إلى آلاف العقارات الأخرى التي بيعت لإيرانيين دون تسجيلها في إدارة السجلات، كوْنها تتبع للميليشيات العسكرية الإيرانية والمراكز الدينية مباشرةً، ويجري ذلك من خلال السفارة الايرانية والمركز الثقافي التابع لها، حيث لعبا دوراً بارزاً بالسيطرة على السوق العقاري في دمشق. أما في محافظة حلب والتي تنتشر فيها القوات الإيرانية والميليشيات الأجنبية الموالية لها، في معظم أحياء المدينة، منذ مشاركتها في عملية تهجير السكان من الأحياء الشرقية نهاية عام 2016، فقد لوحظت عملية الاستيطان، في المناطق الجديدة، مثل الموكامبو، وحلب الجديدة، والشهباء، وفي أطراف حلب في الشيخ نجار مثلاً، وفي وسط حلب في حي الزبيدية والإذاعة، وكذلك في محيط القلعة، وغيرها الكثير.
في درعا، لوحظت عمليات الاستيطان الإيراني في بعض المناطق الحيوية والاستراتيجية، مثل مدينة درعا ومناطق في القنيطرة قريبة من الجولان المحتل، كما رصد شراء منازل المدنيين في المنطقة المحيطة بالمسجد العمري القديم وسط درعا البلد وغيرها لصالح الإيرانين.
وفي دير الزور والمنطقة الشرقية، في "الميادين والبوكمال" وغيرها تصادر المليشيات الإيرانية منازل المهجرين قسرياً بسبب الحرب لتكون قواعد إيرانية ومسكناً لهم كما تنتشر مكاتب عقارية في المحافظة تقوم بشراء أكبر عدد من المنازل والعقارات والأراضي لصالح رجال أعمال إيرانيين. في النهاية.. إذا كان الاستيطان الإسرائيلي على رقعة من الأراضي الفلسطينية مهما اتسعت، فهو ليس بحجم امتداد الاستيطان الإيراني في سورية على وجه الخصوص وفي الشرق الأوسط على وجه العموم، وهذا خطر وذاك خطر، والذي يجعل من سورية محافظة إيرانية بامتياز، بأهلها، وأرضها، وبيوتها، وشعاراتها، ورايتها، وحكامها، وسياستها، وهذا ما يخشاه جيلنا على الأجيال القادمة.
فاتح حبابة
كاتب وإعلامي سوري