إذا خاصمت لا تفجُر


 

 

 " مَنْ لَمْ يُنْصِفْ خُصُوْمَهُ فِي الاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ، لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُهُ، وَأَظْلَمَ بُرْهَانُهُ ". إذ كثيراً ما نسمع أو نقرأ من إعلاميين أو محللين انتقادات لاذعة للتدخلات التركية هنا وهناك، وهذا يدعونا إلى سبر طبيعة تلك التدخلات ونتائجها ومقارنتها بالتدخلات الغربية قبل الحكم عليها وتقييمها: 

 -  تدخلت تركيا في الصومال بوقت تجاهل فيه العالم أجمع تلك المجاعة والمأساة الإنسانية التي كان يعيشها ذلك البلد والتي استمرت لسنوات طويلة بسبب الحروب، و كان الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) ، أول رئيس دولة يزور الصومال في آب/أغسطس 2011 ، فاتحًا الباب لمساعدات إنسانية واقتصادية وتنموية تركية غير محدودة، وصلت ذروتها بالتوقيع على اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وتزامن هذا المد الإغاثي التركي مع مسارات تنموية أخرى، ففي المجال التعليمي فتحت تركيا أبواب جامعاتها لآلاف الطلبة الصوماليين من خريجي مدارس وجامعات الصومال عبر برنامج المنح الحكومية وعبر منح خاصة أخرى، كما عملت تركيا على ترميم مشفى “ديكفير” الذي يُطلق عليه حاليًّا مستشفى “أردوغان” في العاصمة الصومالية مقديشو ، وقد تم افتتاحه أثناء الزيارة الثانية التي قام بها الرئيس التركي إلى الصومال في يناير/كانون الثاني 2015. يعمل في هذا المشفى طاقم طبي مكوَّن من تسعين طبيباً تركيًّا، ومئتي طبيب صومالي من بينهم ثمانية عشر طبيبًا متخصصًا، وإلى جانب الكوادر الطبية يستقبل المشفى مرضى من الصومال ومن الدول المجاورة كذلك، مثل كينيا وجيبوتي حيث تم تجهيز جميع الأقسام والوحدات الطبية التي تستقبل شهرياً نحو 11 ألف مريض، وتستوعب سنويًا 132 ألفاً، بينها حالات حرجة، ناهيك عن المشاريع الاقتصادية المشتركة التي أنعشت الصومال وخلصته من تبعات الحرب الطاحنة.

-  تدخلت تركيا في سورية فأفشلت أكبر مشروع انفصالي كان ينوي سلخ الجزيرة السورية وشمالها ككيان يمتد إلى شواطئ المتوسط وذلك لتأمين منفذ بحري لتسويق ما يتم سرقته من النفط والغاز السوري، ولتحويل ذلك الكيان إلى خنجر فيّ الخاصرة التركية كلما تلقى أوامر من مشغليه وداعميه، وبعد أن حُررت تلك المناطق سارعت تركيا إلى ترميم وإعادة بناء المرافق الخدمية الحيوية الأساسية كالأفران والمشافي والمراكز الطبية المجهزة بأحدث الأدوات وإعادة تأهيل الطرق والبنى التحتية.

-  تدخلت في ليبيا لتمنع محاولة الانقلاب على الحكومة الشرعية الليبية والمعترف بها دولياً، ولمنع تكرار ما حصل في سورية من مجازر بسبب كثرة المرجعيات والولاءات وتشعباتها، فقد عمل (حفتر) على منازعة الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط، و شنّ منذ 4 أبريل/ نيسان من العام الماضي هجومًا متعثرًا للسيطرة على طرابلس "مقر الحكومة الشرعية" ولولا الموقف التركي الحازم لكان حفتر (المدعوم أميركياً عن طريق الإمارات) قد عاث في الأرض فساداً وإفساداً. 

-  تدخلت في قطر لتمنع اجتياحاً كان قد بُيّت لها بسبب مواقفها السياسية ورفضها للانجرار خلف من يتآمر على تركيا من أدوات وظيفية محلية وإقليمية. تلك لمحة عن التدخلات التركية، فهل من داعٍ لأن أقارنها بالتدخلات الإيرانية أو الروسية أو الأميركية أو البريطانية أو الفرنسية وأدواتهم من فصائل وميليشيات، تلك التدخلات التي باتت معروفة وواضحة المعالم والنتائج وقد لمسناها في سورية حيث تعمدت استهداف البنى التحتية والمرافق الخدمية وهجرت السكان وأعادت معظم المساحة السورية إلى عصر "بوابير الكاز" و"السراج الزيتي" وأحرقت البشر والحجر.؟ 

وأخيراً: إن أردت أن لا تختلط عليك الأمور والمفاهيم، فانظر إلى طبيعة ونوعية الجهات التي تقف في وجه تركيا وتعاديها وتتآمر على أمنها واقتصادها، لتدرك طبيعة هذه الدولة وحجم تأثيرها وقوة دورها في إفشال العديد من مخططاتهم الخبيثة التي لم تعد سرية، والتي أُعدت للمنطقة منذ مئات السنين. 

 

 

محمد علي صابوني

كاتب سوري

 

Whatsapp