بين يديّ دمشق


 

 

 

ما بين وَقْتِكِ واشْتِهَاءِ دَمِي احْتِفَالٌ

هَيِّئِي قَمَرَاً لِنَبْدَأَ يَا نديَّةُ  

نَرْتَدِي جُوعَ القَصَائِدِ، نَسْتَحِمُّ بِدِفءِ ذِكْرى عَرَّشَتْ، 

ذَاتَ انْهِمَارٍ بَيْنَ قَلْبَيْنَا، وأهْدَتْنَا 

اكْتِمَالَ رُؤى الِغِيَابْ

أبَدَاً تُحَاصِرُنِي دُرُوبُكِ يَا دِمَشْقُ

تَشدُّنِي، وَتَمُدُّ رَغْبَتَهَا لأدْخُلَ

فِي سَناءِ مَدِيحِهَا أنْثَى مِنَ الْبِلَّوْرِ تَقْرَأُ،

ما تَنَاثَرَ فوقَ بَهْجَتِهَا 

مِنَ الصُّوَرِ التي تزهو بِما قَدْ لَذَّ مِنْ فَرَحٍ وَطَابْ 

أبَدَاً تُحاصِرُني دُرُوبُكِ 

تشتهي ألمي، فأركضُ فِي تَلَوُّنها

وأقرَأُ سُورَةَ الشَّوْقِ الذي مازَالَ يَجْلِدُنِي بِدِفْءِ تَلَهُّفٍ طَاغٍ

ويُسْلِمُنِي لِنَافِذَةِ الخَرَابْ!

أبداً تُحَاصِرُنِي دُرُوبُكِ يا دِمَشْقُ

أنَا التي قَدْ جِئْتُ مِنْ آهِ الصَّحَارَى 

مِنْ دَمِ الْحَوْرِ المُغّرَّبِ 

و(الحَكَايَا) المُثْقَلاتِ بِكُلِّ أوجَاعِ التُّرَابْ!

أهْدَيْتِنِي وَجْهَاً تَشَرَّبَ بالنَّدَى 

وَسَقَيْتِنِي صَدَّاً مُذَابْ!

حِينَ احْتَويتُكِ – يا دِمَشْقُ – تفجَّرَتْ ما بَينَنَا النجوى

تَعَانَقْنَا كَمَا يَتَعَانَقُ الأحبابُ

مُتَّحِدَيْنِ بالرَّقَصَاتِ، فَانْطَفَأتْ عَلى إيقَاعِ رَقْصَتِنَا 

قَنَادِيلُ العتابْ!

*     * *

بَرَدَى يَذُوبُ صَبَابَةً وَتَلَهُّفَاً ويَمُدُّ سَوْسَنَهُ إليَّ 

يَضُمُّنِي عَطِشاً 

وَيَهْمِسُ في انكسارٍ ذَابِحٍ عَذْبٍ:

أُحِبُّكِ 

لَيْسَ لِي إلاّكِ رُؤْيَا أرتدِي دَمَهَا، 

وأَهفُوْ نَحْوَ مَحْبُوبِي الفُرَاتْ

هُوَ صِنْوُ أوْجَاعِي وَصَاحِبُ غُرْبَتِي

وَدَمِي الذي يَجْرِي اخْضِرَارَاً

في مَسَامَاتِ النَّبَاتْ 

هُوَ رُوحُ ما تَرَكَ التفتحُ لِلْقَصائِدِ مِنْ مَدَىً 

يَرْنُو لِمَجْدِ اليَاسَمِينِ وَمَا بِهِ 

مِنْ ذِكْرَيَاتْ!

للشَّامِ أَهْرَعُ فِي انكِسَاري

مُطْلَقٌ يَرْنُو إلى أَلَقِ المَوَاسمِ

واشتهاءَاتِ الحَيَاةْ 

للشَّامِ أُسْرِجُ خَيْلَ أوجَاعِي 

وأقرأُ – آنَ أبْدَأُ – سورة الأفراح: 

آهٍ.. كَيْفَ أدخُلُ يَا دِمَشْقُ

وَكَيْفَ أبْدَأُ لَهْفَتِي 

حَيْرَى أنَا وَمُعَذَّبَهْ

مُدِّي إليَّ سَلالِمَاً كَيْ أرتَقِي نَحْوَ اشْتِعالِكِ

عَذْبَةً وَجَميلَةً

إذْ ذاكَ قد يَزْهُو البَنَفْسَجُ طَافِحَاً 

بلذيذِ مَا تُخْفِي الأمَاني 

المُعْشِبَهْ!

*     * *

خُذْنِي إلَيْهَا أيُّهَا اللَّهَفُ المُلَوَّنُ

عَلَّنِي في لَحْظَةٍ فَتَّانَةٍ أدْنُو 

وألْثِمُ بَعْضَ مَا يَخْتَالُ فِي مُرْجَانِ عَيْنَيْهَا

مِنَ الحِقَبِ البَهِيَّةِ والصُّوَرْ 

خُذنِي لأقرأَ ما تيسَّرَ مِنْ كِتَابِ السَّابقينْ 

قَالوا: دِمَشْقُ قَصِيدَةٌ مَا فاضَ منهَا غَيْرُ دِفءٍ

أو مشى في رَائِعِ الكَلِمَاتِ فِيهَا غَيْرُ فيروزِ الهَوى

ولذيذِ ما تُهْدِي نَسَائِمُ (قَاسَيُونَ) مِن العذوبةِ

والتألُّقِ والبُطُولَةِ والمَحَبَّةِ والحَنينْ!

قالوا: دِمَشْقُ 

فقُلْتُ: ذَا قَمَرِي .. اتركوهُ

لَمَسْتُهُ، وَحَضَنْتُهُ، وتأبَّطَتْهُ الرُّوحُ

وانْحَدَرا مَعَاً نَحْوَ اشْتِعَالِ اليَاسَمينْ !!

*     * *

يَا شَامُ هَلْ بَانَ البَعِيدُ 

وَهَلْ تَنَفَّسَتِ الحَدَائِقُ

هَلْ رَمَى التَّاريخُ شيئاً مِنْهُ

فِي جَسَدِ المُعَذَّبِ " قَاسَيُونْ "؟

أوَّاهُ .. لا أدْرِي  

يُعَذِّبُنِي اشْتِيَاقِي يا دِمَشْقُ

تَشدُّنِي اللهَفَاتُ نَحْوَ شَقيِّ وَقْتِكِ

أرتَدِي لَذَّاتِ خَوْفِي، ثُمَّ أُبْحِرُ فِي القَصِيدِ إلَيْكِ 

يَا أُمَّ القصيدَهْ

قَلْبِي شَهِيدٌ في يَدَيْكِ فَعَلِّقِيهِ تَمِيمَةً في بابِ مجْدكِ

وامنحِيهِ بَرَاءَةً لِيَطيرَ نَحْوَكِ

حَامِلاً أنوارَهُ ونَهَارَهُ

وقَصَائِدَ الفَرَحِ التي سَتَقُودُهُ

نَحْوَ الفَضَاءاتِ الجديدهْ

*     * *

لَكِ يا دِمَشْقُ مَوَاسِمِي وَلَكِ اشْتِعَالِيَ وانْبِهَارِي

مُدِّي يَدَيْكِ إلَيَّ كَيْ أرْقَى 

وألْثمَ فِي علائِكِ قَوْسَ غَارِي 

مُدِّي اخْضِلالَكِ .. قَدْ حَضَرْتُ

تَحِفُّ بِي ذِكْرَى وَيَذْبَحُنِي انتظَارْ

يا شَامُ هَلْ بَعُدَ المَزَارْ ؟ 

يَا شَامُ مَا بَعُدَ المَزَارْ !!

 

 

سميرة بدران

شاعرة سورية

 
Whatsapp