في مدينتي يولد الأطفال متشابهين ثم سرعان ما ينقسمون بعد الولادة لفريقين مختلفين، فبعضهم ينمو على جسدهم سُلّم بالطول والبعض الآخر سلَّم بالعرض. لا أعرف خارج مدينتي كيف هو الحال، لأنني لم أُسافر، وترجِع بعض أسباب ذلك إلى كوني من فئة السّلم بالعرض، كنت اصطدم بالجدران حيثما ذهبت، حتى بدت المدينة لي ضيقة وخانقة.
أذكر في طفولتي كيف مَسَّدَت جدتي على رأسي وتمتمت بالدعوات، والحزن في عينيها، إذ كانت تتوقع ألا تكون حياتي سهلة.
ومع أن الحكومة لديها برنامج متعدد المستويات لتجليس فئة السلالم بالعرض
إلا انهم لم ينجحوا في كثير من الحالات، وبالرغم من أني كنت لطيفاً تجاه فئة السلّم بالطول إلا أني شعرت منهم دائماً بالتمييز والتوجس، لذلك كان معظم أصدقائي من فئتي وكنا نلعب بأن نُرَكِّبْ سلالمنا بعضها فوق بعض فينقل لنا الذي في الأعلى ماذا يرى ويكون بوضعية الطيران تقريباً، فينكشف لنا ما لا يراه الكثيرون.
في إحدى المرات، وكان دوري بأن أكون في الأعلى، وقع نظري على ابنة الجيران الجميلة على السطح المقابل ، كانت تنحني ثم تنشر الغسيل، وأعجبني كثيراً سُلَّمها، فتحادثنا بانسجام ثم ابتَسَمَتْ وهي تودعني، بل وأهدتني ملقط غسيل للذكرى، ولكن أباها وصل في تلك اللحظة، كان واضحاً أنه موظف حكومي رفيع المستوى، عرفت ذلك من نياشينه ومن سُلَّمُهُ الطويل جداً، نهرني وهو يفتح فمه صارخاً فميزتُ اللُهاة في عمق حلقهِ تهتز غضباً ، وكان أن تدحرَجْتُ فوق أصدقائي حتى اصطدمت بالأرض فتهشَّمَت يدي، ونُقلت الى المستشفى بشاحنة سوزوكي بعد أن اعتذروا عن إرسال سيارة إسعاف بدعوى أن ذلك من غير المناسب كوني من فئة السُلُّم بالعرض.
حين استيقظت من البنج كان يتجمع حولي أطباء بسلالم بالطول يتفحصونني، وعناصر شرطة ومخبرون ذوي سلالم طويلة عليها انتينات، جميعهم يريدون اصطحابي للتحقيق في السر الذي أخبئه في يدي، إذ يبدو أنني حتى تحت التخدير بقيتُ مُغلِقاً قبضة يدي بقوة ولَم يتمكنوا من فتحها، وها أنا في عتمة السجن هنا لأني لم أَبُح لهم أبداً بأن ما في يدي ليس سوى ملقط الغسيل.
سميح شقير
موسيقي وشاعر سوري