بات جليًا أن قوات النظام وحلفائها تحاول السيطرة على المدن الأكثر أهمية في ريف ادلب، سراقب وجسر الشغور ومعرة النعمان وأريحا، وذلك لفتح طريقي حلب دمشق واللاذقية حلب المقطوعان منذ عام 2012، وتحاصر بذلك مدينة إدلب بعد عزلها عن ريفها.
ومع أن محافظة إدلب بعاصمتها وريفها تخضع لاتفاق خفض التصعيد منذ مايو/ أيار 2017 الموقع بين الدول الضامنة (روسيا _ إيران _ تركيا) في اجتماعات أستانا المتعلقة بالشأن السوري، إلاّ أن النظام السوري وداعميه يواصلون الهجمات على المناطق باستمرار وبوتيرة متصاعدة رغم التفاهم المبرم بين تركيا وروسيا في 17 سبتمبر /أيلول 2018 بمدينة سوتشي الروسية الذي ينص على تثبيت خفض التصعيد.
في الفترة الأخيرة زادت شراسة الهجوم الجوي الروسي والهجوم الأرضي من قوات النظام وحلفائها مما أدى لنزوح أكثر 100 ألف شخص خلال الأيام الأربعة الأخيرة ليصل عدد النازحين في الحملة الأخيرة إلى أكثر من 500 ألف.
ورغم التحذيرات الدولية المتتابعة والتي تعرف روسيا ويعرف النظام شكليتها والذي كان آخرها تصريح بومبيو وزير خارجية أميركا بأن هجوم النظام وروسيا وإيران وحزب الله على إدلب يساهم في نشر حالة من عدم الاستقرار وينتهك قرار مجلس الأمن رقم 2254 ويعيق عودة الآلاف إلى ديارهم، ويطالب بوقف الهجوم، وأن بلاده تتابع بقلق شديد نزوح عشرات الآلاف نتيجة القصف العنيف، وأن الهجوم يستهدف المدنيين فقط، وأن الإدارة الأميركية ستأخذ أشد الخطوات الدبلوماسية والاقتصادية بحق المهاجمين.
الجديد في الموضوع أن المسؤولين الأتراك صرحوا أن روسيا لم تلتزم بالهدنة واتفاقات خفض التصعيد في إدلب، ومع استمرار القصف والقضم للأراضي أدخلت تركيا قافلة عسكرية كبيرة وصرح مسؤوليها العسكريين أن طريق حلب اللاذقية ومنطقته هي منطقة عسكرية بما ينذر بمواجهة تركية روسية على الأراضي السورية. بما يتبعها من خلط جديد للأوراق والخوف من تجدد المعارك في أكثر من منطقة.
تضم إدلب أكثر من ثلاثة ملايين إنسان بين مهجر ونازح وبين مسلح ومدني، بالإضافة إلى سكان المنطقة التي تعد من أجمل مناطق سورية وأغناها زراعيًا حتى سميت إدلب الخضراء، جُمع فيها المسلحون والمهجرون من كل المناطق التي تمت فيها المصالحات بضغط روسي وتخلي من سمي بأصدقاء سورية، وقطع التمويل عن الفصائل المسلحة وقطع المساعدات الإنسانية عن المدنيين الذين هدمت قراهم وبيوتهم وفقدوا مصادر رزقهم، وكان من المفترض أن تحل مشاكل إدلب بالحوار وتبني كل طرف لمجموعة من التصرفات تؤدي إلى إحلال السلام دون حرب.
كانت الحجة الرئيسية للهجوم على إدلب وجود مسلحي جبهة النصرة (القاعدة سابقًا) وأخواتها من التنظيمات الإرهابية، ونحن أيضًا مع التخلص من هؤلاء المسلحين الإرهابيين، إلا أن الواقع يقول غير ذلك. لم تتأثر المجموعات الإرهابية بما يجري من معارك وهي مازالت تمارس إرهابها وتسلطها على المواطنين العزل وتحيل حياتهم إلى جحيم بالاعتقال والترهيب والمصادرة. وبذلك يخضع سكان إدلب لحصار داخلي وحصار خارجي وهم المدنيون المسالمون الهاربون من الظلم والعسف والقتل والتشريد، والذين لا يخفى على أحد وضعهم المأساوي من نقص المواد الغذائية وفقدان التعليم والصحة والمأوى المناسب في هذا الطقس القاسي.
يهرب المدنيون من القصف بالآلاف، ولو كانوا ينتظرون أن يحررهم النظام لما هربوا بهذا الشكل كم تظهر الصور المسربة. إن ظلم النظام وحلوله الأمنية والعسكرية تترك الناس يهربون إلى المجهول خلاصًا من ظلمه واستبداده وإجراءاته القمعية.
إننا نتطلع إلى نهاية هذه الحرب المجنونة وإلى قلع هذا النظام الأسدي وإقامة نطام وطني ديمقراطي، وإلى سورية وطن لكل أبنائه، لنعيد بناءه على مبدأ العدالة والمساواة والحرية، وليذهب الحكم الاستبدادي والتسلطي والفاسد إلى غير رجعة.
محمد عمر كرداس
كاتب سوري