التطرف كمرض مجتمعي


                     

 

 

 

في المجتمعات أمراض كما للأجسام وأخطر آفة تصيب المجتمعات وتهز أركانها مهددة بتقويضها هي التطرف، الذي يصيبها بالصميم وتحتاج من أجل الخلاص منه إلى زمن طويل. 

بداية لابد أن نعرف ماذا يعني التطرف.  وهو لغة الابتعاد أو الجنوح بعيداً أو أخذ أمر ما إلى أقصاه أو مداه أي الابتعاد عن الوسط أو الاعتدال. أما فعلياً فهو استعمال كل الوسائل من أجل تثبيت فكر ما أو هدف أو معتقد وأولها القوة والعنف. وللتطرف أنواع عدة لعل أبرزها التطرف الديني والسياسي والفكري والثقافي والاقتصادي، فلا يوجد عمل في الحياة إلا ويمكن أن يكون فيه تطرف. ويمكن التطرق إلى ما يكون له الأثر السلبي على المجتمع، وهو التطرف الديني والسياسي. إذ يصيب المجتمعات الهامشية التي تحس أنها مقصاه وليس لها دورًا فاعلاً في حياة المجتمع كما أن البطالة تلعب دوراً رئيسيًا فيه لأن مجتمع العاطلين عن العمل يكون حاضنة جيدة للأفكار المتطرفة لأن منظّريه يستغلون حاجة هؤلاء ونقمتهم على المجتمع في نشر أفكارهم كما أن اﻷيديولوجيات تلعب دوراً كبيراً في نمو التطرف وخصوصاً تلك التي تتكلم عن عرق أو دين فئة من المجتمع بعينها كالأحزاب الدينية.

لأن أفكارها تعادمية وتنطلق من ملكيتها للحقيقة وتسفيه أفكار اﻵخرين ومعتقداتهم وكذلك فإن اﻷقليات اﻹثنية أو الطائفية تعتبر حاضنة للتطرف وبيئة خصبة له وذلك بسبب قيام هذه الأقليات بالانغلاق على نفسها وعدم الخروج إلى الفضاء الأوسع بحجة الحفاظ على الطائفة أو العرق مما يزيد من تفكك المجتمع وعدم تسامحه.

واﻹلمام بموضوع التطرف يحتاج إلى دراسات إلا أننا سنتطرق في هذه المقالة إلى الجوانب التي أصابت مجتمعنا السوري في بنيته ولاتزال تداعياتها قائمة. وهي الديني والسياسي فقد كان لهما الأثر السلبي الكبير على ما حدث في مجتمعنا ولنبدأ بالسياسي الذي ارتكز عليه الديني

التطرف السياسي:

كانت الأحزاب في سورية منذ نشأتها ذات طابع إيديولوجي لذلك كانت دائما مختلفة ومتناقضة فكرياً وكل منها يريد استلام السلطة والتفرد بها وقد نجح حزب البعث بهذا الأمر عام 1963م ولكون هذا الحزب يتكئ على القومية العربية فمن الطبيعي أنه سيتناقض مع القوميات الأخرى في مجتمع متعدد الأعراق وفيه عدم انسجام عرقي وقومي كما أنه وبسبب من هذه الأفكار فقد تناقض مع الأحزاب الدينية وكانت الطامة الكبرى عام 1970م في سيطرة أبناء الأقليات الطائفية على هذا الحزب ثم تصفيتها لصالح طائفة بعينها مما أثار حفيظة الأكثرية والطوائف أمام هذا المشهد المتعدد الأبعاد والمعقد والتهميش الذي بدأ ينخر في جسد المجتمع فقد وجد التطرف بكل أنواعه العرقية والطائفية والسياسية تربة خصبة يمكن أن ينمو فيها مما جعلنا نشاهد تطرفا قوميا ودينيا ظهرت بعد حراك عام 2011م تبحث عن مكان لها في السياسة والسلطة تجلت بشكل عنيف بعد أن استعملت السلطة العنف غير المبرر معتمدة على تطرفها الطائفي ضد كل فكر آخر حاول أن يكون حاضرًا في المشهد السياسي السوري ،ولعلنا نلاحظ هنا شكلين التطرف الديني والقومي

التطرف الديني:  

وتجلى في الأحزاب الدينية وكل الفصائل التي ارتكزت على الدين كمرجع فكري لها وكان أقصى ذروته ظهور تنظيم داعش بلعبة مخابراتية عالمية بالتشارك مع النظام وجدت في بعض أفراد الطائفة السنية حاضنة لها نتيجة التهميش والظلم وكم العنف الذي واجهته وادعاء هذا التنظيم تمثيلها، فقد استطاع التغرير ببعض شبابها وجرهم نحو العنف الذي طال أبناء الطائفة بالتكفير الذي استدعى قتلهم على يد التنظيم أكثر من مواجهة النظام بحجة أن قتال المنافقين كما يقولون وتنظيف البيت الداخلي أهم من العدو الخارجي متكئين على فتاوى متطرفين قاموا بلي أعناق النصوص ليصدروا هذه الفتاوى ولذلك فقد قدموا للنظام أفضل الخدمات بتدمير المدن وقتل الشباب .

التطرف القومي:

أبرز صوره كانت باﻷحزاب الكردية pkk وpyd الذان حاولا استغلال الحراك لتثبيت نزعة انفصالية وإظهار عنف وقوة شديدة ولم يستخدم ضد النظام الذي عمل ضد الأكراد بادعائه القومية التي لم يمثلها في يوم من الأيام بل كان عنف هذه الأحزاب موجه ضد المواطنين البسطاء من العرب وقراهم وقد لوحظ ذلك في منع أي عربي من دخول بعض المناطق كالحسكة والقامشلي ومنبج إلا بكفيل من الأكراد حصرا ثم بالمخيمات التي أقامها لمن هربوا باتجاه المناطق التي سيطروا عليها هربا من الموت والتي كانت أشبه بمعسكرات اعتقال. 

أمام هذا كان تطرف النظام الممنهج عرقيًا وطائفيًا واستدعاء كل الميليشيات الطائفية المتطرفة كحزب الله وفاطميون ولواء أبي الفضل العباس وغيرها من شذّاذ الآفاق كل هذا أصاب المجتمع بشرخ كبير على المستوى الاجتماعي لن يستطيع التخلص منه بسهولة وخصوصا مجتمع الأغلبية العربية السنية حيث استطاع النظام أن يجعل مشاكلها في داخلها وهناك ثارات ستكون بين الأقارب بسبب وجود أفراد من هذه المجموعة مع داعش والأكراد والنظام. كونها هي سواد المجتمع بالإضافة إلى التناقضات الموجودة بين الآخرين فإن المجتمع السوري يحتاج لزمن طويل لتلتئم جراحه ولا يمكن أن يتخلص من هذه الأوضاع ومن التطرف إلا بالقيام بإصلاحات جذرية وهي المصارحة والمصالحة، تحقيق العدالة الانتقالية، إقامة دولة المواطنة والقانون، تفعيل القضاء المستقل، إنهاء التهميش، اللامركزية الواسعة في الإدارة، التنمية المتوازنة بين المركز والأطراف

التوزيع العادل للثروة، قيام جيش وطني محترف للدفاع عن الحدود، إنهاء أي دور للأمن وتفكيك أجهزته.

وفي سياق الحديث عن التطرف لابد من الإشارة إلى دير الزور كونها من أكثر المناطق التي تعرضت لمفاعيل وآثار التطرف المزدوج الديني والقومي فقد دُمرت أغلب مدنها الرئيسية :دير الزور والميادين والبوكمال وهجّر بشكل ممنهج أغلب سكانها من بيوتهم كما أن الطرف الآخر من الجهة الشرقية المتمثل بقسد قد تعامل مع سكانها المهجرين بطريقة أسوأ من تعامل النظام  والسبب في ذلك كون هذه المحافظة ذات طابع عربي وسني خالص بحيث أن وجود طوائف أو عرقيات أخرى يكاد لا يذكر نتيجة لهذا فقد هاجمها النظام بميليشياته الطائفية وزرع فيها داعش بواسطة مخابراته وعملائه كما استطاعت الأحزاب الكردية أن تخترق هذه المحافظة وأن تضم بعضاً من أبنائها والسبب في تواجد بعض هؤلاء مع الأحزاب الكردية هو نتيجة لما تعرضت له المحافظة من ظلم على يد داعش كما أن بعض الذين انضموا لدولة الخلافة كما أسموها كان انضمامهم ردة فعل ضد طائفية النظام والتهميش المستمر للمحافظة ليس من النظام السوري وحده بل من الذين تصدروا لقيادة الحراك ولم يقدموا للدير أي دعم علماً أنها كانت من أوائل المحافظات التي تحررت بشكل شبه كامل وتركوها عرضة لهجمات النظام والمتطرفين الدينيين والقوميين ولا يزال هذا التهميش والإهمال مستمراً حتى الآن حيث تقع دير الزور تحت سيطرة الميليشيات الطائفية غرب نهر الفرات والمتطرفين القوميين شرقه ونتيجة لهذا الوضع وتركيبة المحافظة العشائرية فقد أصبح الوضع فيها أكثر تعقيداً وسيؤدي إلى كثير من التصادم مستقبلاً بين العشائر والعوائل بسبب التبعيات التي كانت لهذا الطرف أو ذاك مالم تتم معالجة الوضع بشكل صحيح وإعادة اللحمة إلى أبناء المحافظة وإرشادهم إلى جادة الصواب وإلى جذورهم العربية التي تتمتع بكثير من الشهامة والتسامح وكرم الأخلاق ربما تحتاج دير الزور كما سورية إلى زمن طويل حتى تعود إلى ما كانت عليه من قبل.

 

 

صفا عبد التركي

كاتبة سورية

 
Whatsapp