زمن مغاير لكل الأزمنة نعيشه الآن، وكل منا أصبح لديه مخزوناً من الذكريات المؤلمة، وتفاصيل حالية تزيدنا ألماً.
لا مكان في هذه الكرة الأرضية لنا، ضاقت الدنيا فقط علينا، وتفاقمت أزمات الثقة فيما بيننا، وسيطر الاكتئاب على الأغلبية، منامات وكوابيس ترافق الجميع، نريد هوية تثبت أننا بني آدميون نتألم ونفرح مثل الجميع>!
لا تسألونا أي مكان هو الأجمل بالعالم؟، ليس هناك مكان أجمل من لمة أهل والكثير من الشاي!، دمروا خلايانا الجمالية وسرقوا قسم البهجة من قلوبنا، وأفرغوا عقولنا من التفكير، لا علاج لنا إلا المكاشفة والصراحة والتحدي، والقلم أصبح صديقنا الوفي الذي يدون كل ما نشعر به بصدق وأمانة لا يزيد حرفاً حتى إذا أخطأنا يتجاهل ويكمل، يرسم كلماتنا ويتألم معنا لمشاعرنا ويبقى معنا إلى أن يذوب قهراً علينا، ومنهم لا يتوقف إلا بعد أن يفرغ كل مخزونه وهذا هو الوفاء.
الوفاء الذي بتنا نحتاجه لنبعد عنا شبح الخيبات وألم الذكريات، إن كسرنا أقلامنا وكفكفنا دموعنا وحاولنا تجميد ذكرياتنا وتجاوزنا قهرنا بالتجاهل والضحك، ماذا ينتظرنا؟ هل ستفتح لنا الحياة أبوابها؟ لن ننتظر، سنطرق كل الأبواب بقوة ونتحلى بقوة إيماننا بأنفسنا، سيكون لنا مكاناً جميلاً يحتوينا وذكرياتنا سنحولها إلى صخرة نتكئ عليها، لنتمسك في هذه الحياة لآخر قطرة من أرواحنا إن لم يكن لأجلنا فمن أجل أولادنا فهم يستحقون سعادة الدنيا، لنبرع في الحياة كما برعنا بتحطيم الأغلال والثورة على الطغاة، ونجري مع سفينتنا الجديدة ولنبحر في هذا العالم العجيب، أولادنا أبناء الحياة وها هي الحياة أمامهم تفتح مصراعيها ليدخلوها بكل ثقة ولنعزز في قلوبهم بأنهم الأفضل، ولنشعرهم بأننا محظوظين بهم، وسعداء بتفوقهم، لنشكل منهم نواة حقيقية لحياة جديدة بعيدة عن الشكوى والاكتئاب، لا بأس أن نطلعهم على كل شيء بصراحة دون أن نزرع في رؤوسهم الجميلة الألم والمعاناة، ما عاناه أهلهم كاف فهم طريقنا للسعادة ودفن الأوجاع، سنحثهم على العلم والمعرفة والتجارب، النجاح والفشل والسير دوماً للأمام، وأنهم قادرون على تعلم اللغات واكتساب العادات الجميلة والابتعاد عن السيئة، ولما لا يسيرون في طرقات معبدة بل مزروعة بكل أنواع الورود والأشجار المثمرة؟، لن ندعهم ينسون أوطانهم بل عليهم أن يعودوا إليها بحلة جديدة قوية وفية وليحولوها إلى جنة لينعم أولادهم بترابها المقدس، ليأخذوا معهم كل ما هو جميل وليكن لهم وطن يشبه الجنة في الأرض، لترافقهم الموسيقى في كل مكان، ولينثروا الزهور والعطور على من حولهم فهم من بذرة نقية وفية جاءت إلى تلك البلاد، لينهلوا علماُ وثقافة ويعودوا إلى أوطانهم أقوياء، لن يتنازلوا عن شبر من أرضهم الطاهرة التي رويت بدماء الشهداء الأبرار، لن يفرطوا بقطرة دم واحدة فثمن العودة دفعه الآباء، بصبرهم وتهجيرهم وحريتهم ودمائهم ولجوئهم واعتقالهم، وأقلهم كان طعاماً للحيتان عندما وقف الحراس مشهرين سلاحهم فوق رؤوسهم:
قف، لا تبحر وإلا قتلناك.
إلهام حقي
رئيسة قسم المرأة