زمنُ القبحِ



 

 

 

أمَّاهُ كلُّ جميلٍ باتَ يغتصبُ

لمْ يبقَ فينا سوى ما قالتِ العربُ

نُجمِّلُ القبحَ بالألقابِ نرفعُهُ،

جميلُنا في دواهي الموتِ يُحتطبُ

لمْ يبقَ فينا صفاءٌ كانَ يُلْهمُنا،

تاريخُنا الزُّورُ والبهتانُ والكذبُ

عهدُ العروبةِ بالأقوالِ مفخرةٌ،

بالفعلِ يلعنُهُ الإنسانُ والنَّسبُ

أُمَّاهُ معذرةً لا يستحي زمنٌ

باعَ المروءةَ، للأنجاسِ ينتسبُ

فأدخلَ العهرَ بيتَ الطُّهْرِ يمسخُهُ،

ويدهسُ الرُّوحَ والأحلامَ منقلبُ

منْ باعَنا كي يدوسَ الشَّعب في بطرٍ،

يسلِّمُ القوتَ، بالأغرابِ ينتصبُ.

ويسحلُ الطِّفلَ والجِّيناتِ في رغدٍ،

يبقى الرخيصَ، وإنْ علَّتْ بهِ سحبُ

أُمَّاهُ تاريخُنا قتلٌ ومذبحةٌ،

بكلِّ أرضٍ لنا للموتِ منتحبُ

الماجنونَ على أهواءِ ناخبِهمْ،

تناخبوا دمَنا، والجُّرْحُ منسكبُ

يراقصونَ رعاعَ الأرضِ في جثثٍ

ويُخضعونَ بلاداً فيكَ تلتهبُ

لا الخيلُ لا الليلُ لا البيداءُ تعرفُنا

لا السيف لا الرمح لا القرطاس لا الغضب

منفى الجميعِ إلى الأوهامِ يُقْرضُنا

أشباهُنا الأربعونَ المبتغى شربوا

أمَّاهُ ماتَ ضميرُ الحقِّ في وطني

صارتْ مصائرُنا للهوِ، قدْ لعبوا

كنَّا نُغنِّي بلادَ العُرْبِ موطنَنا

صرنا نُمنِّي بلادَ العرْبِ تُسْتلبُ

في كلِّ أرضٍ لنا بالأهلِ مجزرةٌ

نموتُ حبّاً بأرضٍ، يُجهلُ السَّببُ

إذا عشقنا ترابَ الأرضِ تقتلُنا

وإذا هربْنا، يخونُ الأرضَ من هربوا

نجوعُ فيكِ ورزقُ الكونِ من بلدي

ويبردُ الجِّسدُ المسقومُ والحطبُ

والنَّفطُ يركعُنا بالذِّلِّ يمرغُنا

والقمحُ يفقرُنا والحلمُ مغتربُ

نرسو على الحاضرِ المشؤومِ وهمَ غدٍ

ما أبشعَ الغد إن ضاقتْ بهِ التُّربُ

في كلِّ شبرٍ نرى للشَّعبِ مقصلةً

لأيِّ نطقٍ فإنَّ القتلَ يرتكبُ

هذي بلادٌ غدا الجَّزارُ حاكمَها

لا نفعَ منهُ ولا الأوطانُ تُكتسبُ

بالسُّوطِ يركبُها، بالذَّبْحِ يسحقُها

وآخرُ الرُّعبِ غرٌّ مجرمٌ جلِبُ

يدمِّرُ الوطنَ الممتدَّ ذاكرةً

حضارةُ الشَّامِ ماتتْ أيُّها الكَلِبُ

أمَّاهُ كيفَ تهاوى حلمُ مرضعتي

وكيفَ ماتَتْ بذورُ الحبِّ والنُّخبُ

وكيفَ نامَ ضميرُ النَّاسِ في خدرٍ

متى أعادتْ فلسطينَ الهوى الخطبُ

جاعتْ طفولتُنا والخيرُ في يمنٍ

ولوَّثَ الرَّافدينِ الفرسُ والنُّصَبُ

والشَّامُ في اللطمِ قدْ خرَّتْ مآذنُها

والنِّيل أضحى لصهيونٍ ومن كذبوا

لبنانُ محرقةً أضحتْ حضارتُهُ

يسوقُها النَّجسُ المأفونُ والنُّكِبُ

آهٍ بلادي وكمْ آهٍ على وجعٍ

باعوكِ كي يَحْكُمَ الأحرارَ منْ نهبوا.

 

 

 

أحمد عبد الرحمن جنيدو

شاعر سوري

Whatsapp