المهلة المعطاة للحرب أم السياسة؟


 

 

 

 

أعطت الدولة التركية النظام السوري المجرم مهلة حتى آخر الشهر للانسحاب من المناطق التي سيطر عليها والعودة إلى ما بعد نقاط المراقبة، ليس فقط لإفساح المجال للدبلوماسية للمساهمة في حل هذه الأزمة المتفاقمة بل لاستشراف وتهيئة الساحتين الدولية والداخلية قبل أن تبدأ الحرب التي بدأت تقرع طبولها وربما احتمالات حدوثها أكثر من عدمها نتيجة للتوتر السائد بين تركيا وروسيا. صحيح أنهم لن يصلوا إلى الحرب المباشرة إلا أنهم يتمترسون وراء مواقفهم حتى اللحظة، فما هي المواقف التي تنتظرها تركيا؟ وهل هي بحاجة إليها؟ أم أنها طريق دبلوماسية لوضع الأمور في نصابها؟

المراقب للمواقف الداخلية يجدها منسجمة وقد تجلى ذلك بالذهاب إلى أبعد من الذي قاله الرئيس أردوغان وذلك عندما قال دولت بهشلي رئيس الحزب القومي أنه يجب عدم التوقف عند حدود إدلب بل يجب الذهاب إلى أبعد من ذلك وصولاً إلى إسقاط النظام. 

المواقف الدولية تتراوح بين الرفض والقبول والدعم اللفظي ليس إلا، وعندما نستعرض هذه المواقف نجد أن الدول العربية على الأغلب ستكون صامتة ولن تصدر عنها أية ردود أفعال علنية ولكن بعضها وعلى رأسها الإمارات ستلعب دوراً مضاداً لتركيا من تحت الطاولة وستحاول عبر الجامعة العربية أن تدين ما تقوم به تركيا عبر بيان صادر عن أمين عام الجامعة، وبضغط من مصر والإمارات والسعودية، لا لشيء سوى (التناكف) مع تركيا.

أما الدول الأوربية فلا تستطيع إلا أن تدعم تركيا، ولكن سيكون دعمها معنوياً وسياسياً بالدرجة الأولى وربما مادياً بالدرجة الثانية كون ما يجري بإدلب يعنيها بشكل مباشر ولا يمكن أن تقبل بخسارة تركيا لإدلب ﻷن هذه الخسارة ستدفع بملايين اللاجئين إلى تركيا التي لن تستطيع استيعابهم وتحمل تبعات إقامتهم فيها مما يستدعي فتح الباب مجدداً أمامهم باتجاه أوربا كما حدث في موجة نزوح عام 2015م وهذا مالا تريده أوربا لذلك ستحاول الضغط السياسي والدعم المادي كي لا يتدفق اللاجئون إلى دول الاتحاد الأوربي ولكنها لا تملك أوراقاً أخرى غير التي قلناها لأن الورقة العسكرية بيد أميركا بالدرجة الأولى رغم أنها من الناحية النظرية بيد حلف شمال الأطلسي  (الناتو) إلا أن الفاعل الأكبر والرئيسي هو أمريكا ولعلنا سمعنا من أمين عام الناتو وقوف الحلف إلى جانب تركيا في الدفاع عن نفسها وعن جنودها إلا أن هذا الدعم لن يتجاوز في هذه المرحلة حدوده المعنوية وربما بعض اللوجستيات التي تحتاجها تركيا .

وحدها أميركا من تستطيع توجيه دفة اللعبة إلى المسار الذي تراه هي ولكننا نلاحظ أن الموقف الأميركي لايزال دون المستوى المطلوب فعلى الرغم من تصريح وزير الخارجية بومبيو وتعزيته الأتراك بجنودهم وإرسال المبعوث جيفري إلى أنقرة وتحدثه بالتركية ليدغدغ عواطف الأتراك فإننا نرى أن مستشار الأمن القومي يلقي اللوم على روسيا وتركيا معا قائلاً: (الوضع في إدلب سيء للغاية، والأسد لاعب سيء جداً، وكذلك الإيرانيون، والخطوات التي تُقدم عليها تركيا وروسيا لا تساهم في تحسين الوضع هناك).

  ويرى أن أميركا لا يمكن أن تقوم بشيء بقوله:( فيما يخص المقترح الذي يقول إن على الولايات المتحدة القيام بشيء فلا أرى حاجة حقيقية لذلك). وهذا مغاير للواقع لأنها تملك كل مفاتيح اللعبة والجميع يعتبرون من الكومبارس بجانب أمريكا على المسرح السوري فلولا غض الطرف الأمريكي عن روسيا منذ عام 2015م لما استطاعت روسيا أن تقدم على أي عمل في سورية ويلاحظ هذا جلياً في شرق الفرات الذي لا تستطيع روسيا أو النظام الاقتراب منه وعندما حاولت استعملت أمريكا ما أسمته القوة المميتة لذلك نرى أن الموقف الأمريكي غير واضح خاصة أن الرئيس ترامب لم يدل بأي تصريح حتى هذه اللحظة حول ما يجري في إدلب وكأن الأمر لا يعنيه.

أمام كل ما سبق مضافًا إليه موقف إيران التي تتمنى تصادماً تركيا روسيا لتتعزز مكانتها في سورية إلى جانب روسيا فأن الأمر الأكثر وضوحاً هو ذهاب تركيا إلى آخر مدى وستقوم بعمل عسكري نهاية الشهر إذا لم تثمر المساعي الدبلوماسية مع روسيا إلى انسحاب النظام إلى خلف نقاط المراقبة التركية بغض النظر عن كل المواقف التي ذكرناها ولكنها تكون قد وضعت الجميع على المحك وأولهم الحلفاء وسيحاول كل طرف تسجيل النقاط لمصلحته. فمن الذي سيسجل النقاط، وعلى أميركا والحلفاء تقديم الدعم اللازم للحليف وعضو الناتو إذ لا يمكن الاستغناء عنه في هذه المنطقة، أم أن روسيا التي ستجعل النظام ينسحب في النهاية لأنها لا تريد أن تذهب إلى القطيعة مع أنقرة هذا ما سنعرفه مع نهاية المهلة.

 

 

صفا عبد التركي

كاتبة سورية

 
Whatsapp