ألـم يحن الوقت لاستراتيجية ثورية مستقلة؟


 

 

مـا يحدث في إدلب والشمال السوري من اقتلاع وإبادة لشعبنـا، يتم بإشـراف أميركي وتنفيذ أسدي / روسي / إيـراني مع ميليشيـاتهـم وعملاء "السوتشيات والآستانات"، إنهم يقررون نيابة عن الشعب السوري؛ قد تكون هذه بنظرهم مسائل إجرائية! فالهولوكوست سيستمر للنهاية وعنوانه عدم عودة المهجرين إلى ديارهم وسيستمـر بإشـراف الأمم المتحدة وبـرامـج التوطيـن إن بقينـا دون عمل وطني مؤطـر ومشتـرك عبـر مؤتمـرٍ وطني مستقل حقيقي ومـوحـد.

إن 12 مليـون سوري هُجـروا بإشـراف أميركي ورعـايـة أمميـة؛ ووفـق منهـج وتصور صهيـو أميركي مشترك ضامن لحكم آل أسد الجـواسيس.

فالإمبرياليـة الأميركيـة تحركت لتطـويق الربيـع الديمقـراطي العربي كله، وثورتنـا السورية منـه، وإخضاعـه لخطتهـا بالتــلازم مع دعمهـا للمشروع الصهيوني وأدواتـه من النظـم والطغـم العـربيــة.

للإمبريالية الأميركية استراتيجيتهـا العـامـة في العـالـم، إنهـا ضد تقـدم الشعـوب وتحـررهـا، وهي تهـدف إلى استغـلالهـا ونهب ثـرواتهــا، إلا أن لهـذه الاستراتيجيـة خطـة أساسية في المنطقـة العـربيـة، تقـوم على تعـزيـز التجـزئة وتغـذيـة المصالـح والنـزعات الإقليميـة ومعـاداة وحـدة الأمـة، هذه الـوحدة التي تعتبر بحق أساس التقـدم لشعوبهــا؛ كما أن تـلاحـم إسرائيل ووجـودهــا الصهيــوني الاستعمـاري بالإمبـرياليـة العـالميـة، يـدخـل في إطــار هـذه الخطــة الأساسية، بـل هـذه المـؤامــرة الكبــرى على تـاريــخ ومستقبـل العـرب.

أيـن الخـط النـاظـم لثورتنـا وحركاتنـا السياسيـة اليـوم بعـد المسار الهـابط لتـلك الحـركات وبالتـالي للثـورة، وهـل نحـن نمضي بشكل متماسك وواضـح في الاستراتيجيـة التي تـؤدي بنـا إلى أهدافنــا، المـرحليـة منهــا والبعيــدة؟؟ لا يـوجـد أي شك في أنـه كان للتدخـلات الخـارجيـة "عـربيـة كانت أم إقليميـة ودوليـة" الـدور الأكبـر في تمكين تنظيـم الأسد من خـوض الحـرب التي فـرضهـا على الثــورة، والاستمـرار فيهـا، بفضل ما قدّمـه له شركاؤه الإيرانيـون والـروس من دعـم متعـدّد الأشـكال، لوجستي وعسكري ومالي وإعلامي ودبلوماسي، كل ذلك بموافقـة وتـواطـؤ عـربي ودعـم دولي لا يمكن مقـارنتـه بما تـوفـر لقـوى الثـورة وأحـرارهــا، ولا يوجد أي شـكّ كذلك في أن الغـرب الديمقـراطي أيضاً الـذي كان الحليـف المُنتظـر للديمقـراطيـات الوليــدة في العـالـم أجمـع، والـذي راهـن على تـدخله قسمٌ كبيـر من جمـاهيرنا الثـائـرة الملوّعـة بعنـف وفاشيـة النظـام، هـذا الغـرب تـردّد في الـوقـوف إلى جـانب السوريين، وعمل على تشتيت قـواهـم بـدل مساعـدتهـم على تنظيـم أنفسهـم و مواجهـة أعـدائهـم، على الرغـم مما كان قـد أغراهــم بـه مـن وعـود و آمـال، منـذ تبنّيـه الشعـار المُخـادع "تنحي الأسـد".

كما لا يـوجـد شك في أثـر الإرث السلبي لنصف قـرن من حـرب الاستنـزاف التي خاضهـا نظام الاستبـداد الـبعث أسـدي لتحطيـم المجتمع، وقتـل روحـه وقيمـه الإنسانيـة، في تعميـم انعـدام الثقـة والافتقـار إلى الخبـرة السياسية والتجارب التنظيميـة، كمـا ولا يوجـد شك في أثـر وفعـاليـة الألغــام التي زرعتهـا السلطـة المخـابـراتيـة بين جنبـات المجتمـع، والتي احتفظـت وحـدها بمفتـاح تفجيـرها في اللحظـة المناسبـة، لفـرط عقـده، وتوجيـه طوائفـه بعضهـا ضد بعض، وزعزعـة إرادة السوريين وإرهـابهــم.

لا يـوجـد شـكٌّ أخيراً في الأثـر السياسي المُدمـر لنـزوع النخـب السلفيـة لتصدّر الخطـاب وواجهة الكفـاح المسلـح، ومحـاولة الإسـلام السـياسي عموماً ابتـلاع الثـورة وتجييـرهـا لحسـابـه السـياسي الخـاص، بصرف النظـر عـن الـدوافـع والنـوايا والتدخـلات الخـارجيـة؛ نقـول لا يوجد شكٌّ في أثـر ذلك كله على تراجـع صدّقيتنـا السـياسية، كثـورة وشـعب، وانقــلاب الـرأي العـام العـالمي علينـا، وما كان للصعـود المـدوي لـ (داعش) وإعـلانـه " خـرافـة خـلافتـه"، بعـد تمكّنـه بإشـراف ومساعـدة الأطـراف التي صنعتـه، من الـوصول إلى الـوسـائل العسكريـة التي جعلتـه قـوةً يُحسب حسابهـا، ليعيـد قلـب الصورة تمامـاً، فيحـلّ مصطلحـات الجهـاد والكفـر والطائفيـة والإرهـاب محل مصطلحـات ثـورة الحـريـة والكـرامـة والمـواطنـة والـدولة الـديمقراطيـة التعـدّديـة، ويقضي على أي أمل لنـا باستعـادة تأييـد الـرأي العـام العـالمي، بـل والعـربي، وتعاطفـه مع الثـورة السـورية وشـعاراتهـا التحــرّرية.

فمع انطلاق الثورات تتحرك القوى المضادة لهـا، لكونهـا الأكثـر تضرراً منهـا؛ من هنا كان الواجب على الثـوار أن يخططـوا لثـورتهـم، وللثـورة المضادة معـاً، ومن الطبيعي أن تتحرك القوى المضادة للثـورة عنـد قيامهـا، وكما أن القائمين على الثورات المضادة يقومون بجردة لمن هـم مـع الثـورة، ولنقـاط ضعفهـم، ونقـاط قوتهـم، كذلك كان على الثـوار، قبل التحـرك الثـوري، سواء أكان انتفاضة أم ثـورة أم حراكاً، أن يحددوا من هم خصومهـم، قبل أن يحددوا من هم معهـم، من خـلال استراتيجيـة ثوريـة للقـوى صاحبـة المصلحة بالثـورة والتي تُعبـر عن أهـداف جمــاهير الثـورة، لأن العديد مِمَن نعتقـد أنهـم مع الثـورات وأنهـم مساندون لهـا هـم في الحقيقة خصومٌ لهــا، على الرغم من الخطابات الديماغـوجيـة، يمينـاً ويسـاراً.

قيام الثورات يكشف عورات النُظـم التي تثـور عليهـا، وينكشف مع صيرورة الثـورات الواقـع المريـر لهـذه المجتمعـات، التي عملت الأنظمـة المستبـدة على إضعافهـا، أكثر مما هي ضعيفـة، مستغـلةً الخوف من النظـام السياسي، الذي تـزرعه في نفـوس النـاس من خـلال سيطرتهـا على هـذه المجتمعـات.

قامت ثورات الربيع العربي ضد أنظمة الاستبـداد، ومـن هنـا، فإن الثورة المضادة تعمل على العـديد من الأسلحة، ولقـد اعتمدت هـذه الأنظمة المُنهـارة سياسات معـادية للثـورات، كانت قـد أعـدّتها لأيامٍ ثـوريـة؛ إذ كانت تعرف أنه سيأتي اليـوم الـذي يفقـد الشعب فيه قدرتـه على تحمّل تسلطهـا، لـذلك خزنت الأسلحة المضادة لسلاح الثـورات، أي الجمـاهير، في ثـوراتهـا.

ولأن الاستراتيجيـة الثـوريـة كانت غائبـة، أو بـرأسٍ ملتـوٍ، فقد التـوى معهـا كل الأداء والنشاط الـوطني والثـوري، مما وضع الاستراتيجية الثـورية المستقـلة المنشودة في مآزق وتناقضات، وتعـدد التيارات والمنطلقـات، وتشتت المواقف، ولتتحرك المزاودات، ومقابل ذلك ومعـه تتحـرك الإمبريالية الأميركية وتتحـرك معهـا إسرائيل من خــلال خـطـط مرسومــة، لـوضع المنطقــة على طـريـق مسـار جـديـد يُعـــزز الـوجـــود الإسرائيلي، ويعــزز المصالــح الإمبـريـاليــة.

 

 

عبد الباسط حمودة

كاتب سوري

 
Whatsapp