كبرت المسألة السورية وتشعبت، وتعددت الأطراف الفاعلة فيها وتجاوزت الحدود الإقليمية بأشواط، ولم تعد مجرد قضية صراع بين حاكم مستبد ظالم وبين شعب مظلوم مقهور مسحوق.
ماهيّة النظام السوري وحقيقة دوره:
تداخلت الأجندات الإقليمية والدولية وتشابكت وتعقدت ، لكن لا بد من الاعتراف بأنه لولا هشاشة الوضع السوري العام لما تم اختراقه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً بهذا الشكل المروّع ، فقد عمل نظام الأسد/ الأب ومنذ اللحظات الأولى لتوليه السلطة على تجريد من حوله شيئاً فشيئاً من كافة السلطات السياسية والعسكرية والتشريعية والتنفيذية والاستحواذ على كافة الخيوط السلطوية التحكمية وتشويه الحياة السياسية وتسطيحها وتهجينها واختزالها بحزبٍ حاكمٍ /إعلامياً/ و"دكاكين" أجّرتها السلطة لأشباه أحزاب موالية كي تلعب دور التعددية الحزبية والسياسية في "مسرحية الوطن" ، وجيش مبنيّ على عقيدة طائفية مشوّهة، أما أصحاب الشخصيات الشريفة الوطنية التي رفضت المشاركة باللعبة فقد تم استبعادهم كلياً عن المشهد السوري وأمسوا بين منفيّ ومعتقل ومطارد .
تشعب الصراع وتوسع الأهداف:
لا شك أن الأمر لم يعد يقتصر على المسألة السورية وحيثياتها، وأن أميركا وجدتها فرصة لإدارة الصراع عند العتبات الجنوبية للأراضي التركية وتولي دور تحريك ال (PYD) الذراع السورية لل (PKK) وذلك بعد أن فقدت إمكانية تحريك الأذرع التابعة لفتح الله) غولن (وخاصة بعد فشل محاولة الانقلاب يوم 15 تموز/يوليو 2016 وكشف تلك الأذرع وتقليم مخالبها في تركيا.
كتب الباحث (ستيفن كوك) في مقال نشره موقع مجلة "فورين بوليسي" السنة الماضية إنه من المهم توضيح عدد من النقاط، فالعلاقة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية التي تضم وحدات حماية الشعب الكردية، هي وليدة الصدفة، وأمام خيار التعامل مع ثاني أكبر دولة في حلف شمال الأطلسي،(ويقصد تركيا)، أو التعامل مع ميليشيا مرتبطة بحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح التنظيمات الإرهابية، فإن واشنطن ستفضل على الدوام العمل مع تركيا، لكن المشكلة تكمن في أن "أردوغان" والمسؤولين الأتراك لا يريدون العمل مع الولايات المتحدة. وعندما كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يبحث عن حلفاء لمحاربة داعش عام 2014، قال الاتراك إنهم لن يوافقوا على المضي مع الولايات المتحدة في هذا الأمر لأن الاستراتيجية الأمريكية لا تتضمن تغيير النظام في دمشق، وبالنسبة لأردوغان فإن داعش وحزب العمال الكردستاني هما الشيء نفسه ، ويشير إلى أن PKK) )هو أولويته ، ورأى الكاتب في ذات المقال أن أمريكا تخون اليوم الشعب الذي مات كي لا يموت أمريكيون، وسوريا هي المثال الأخير لاستغلال واشنطن اليأس الكردي من أجل تحقيق الأهداف الأمريكية ومن ثم الانقلاب على الأكراد .
حقيقة الأهداف الغربية:
لا ريب أن تغيير نظام الحكم في تركيا اليوم هو هدف هام جداً بالنسبة لأميركا والغرب، وهم يسعون لتحقيقه قبل العام 2023 ولأسباب لم تعد خافية على كل ذي لبّ وبصيرة، وربما يلجؤون إلى تحقيق هذا الهدف بالقوة إن فقدوا الأمل وأخفقوا في أساليبهم الأخرى الأقل تكلفة، لكن الوضع العام للمنطقة اليوم غير مهيأ بعد لمثل هذه الخطوة الكبيرة والتي يمكن أن تشكل شرارة البدء لحرب عالمية ثالثة، وكل ما نراه اليوم من أحداث ومن تطورات، ما هو إلا مناورات ومحاولات لتأجيل ساعة الصفر للملحمة المحتومة.
محمد علي صابوني
كاتب سوري