استوقفتني كثيراً جملة تتردد على لسان الدكتور طلال أبو غزالة مؤسس ورئيس مجموعة (طلال أبو غزالة الدولية)، وهو ينذر بقدوم حرب عالمية ثالثة، حين يقول: "أنا لا أتنبأ، ولا أنجّم وإنما أدرس وأقرأ ومن ثم أستنتج".
الخلاصة التي وصل إليها د. أبو غزالة تقول بأن العالم مقبل على حرب عالمية ثالثة بين عملاقي الاقتصاد في العالم، أميركا وحلفاؤها ضدّ الصين وحلفائها، لأسباب اقتصادية في المقام الأول، فمن هو د. أبو غزالة كي يؤخذ كلامه على محمل الجدّ بصورة كبيرة؟
هو رئيس مجلس إدارة (الشبكة العالمية للتقنيات الرقمية للتحضر المستدام) منذ 2015، ورئيس (مركز البحث والعمل الإستراتيجي) منذ 2012، ورئيس اللجنة الاستشارية العليا في (منظمة التعاون الدولية) منذ 2012 بالإضافة إلى العديد من المناصب التي لا يتسع ذكرها، والجدير ذكره أن لديه ما يزيد على (100) مكتب حول العالم.
كان لابد من هذه المقدمة كي أخوض في أسباب وجذور الحربين العالميتين الأولى 1914 والثانية 1939، التي ترجع في جوهرها إلى أسباب اقتصادية في المقام الأول.
ففي الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى كانت أوروبا تعيش نشوة الثورة الصناعية التي أدت إلى تزايد الحاجة إلى أسواق جديدة وإلى مصادر جديدة للموارد الأولية والمواد الخام، مما أشعل حدة التنافس بين الإمبراطوريات التي كانت تهيمن على العالم حينها، وهي الإمبراطورية البريطانية، الفرنسية، الإتحاد الإمبراطوري (ألمانيا ـ النمسا ـ المجر)، وفي أقصى الشرق الإمبراطورية اليابانية، وأخيراً الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحكم جنوب غرب آسيا وأجزاء من أوروبا.
لقد كانت حادثة اغتيال ولي العهد النمساوي الأرشيدوق (فرانز فرديناند) في سراييفو عاصمة البوسنة، هي الشرارة التي أشعلت الحرب العالمية الأولى، فهل كانت سبب وجيهاً لاندلاع حرب دامت لسنوات وخلفت ما بين (9ـ 10) مليون قتيل من الجانبين؟ أم أن جميع شروط الحرب كانت متوفرة قبل تلك الحادثة التي كانت بمثابة الصاعق وسط برميل من البارود؟
وإذا ما انتقلنا إلى الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، ونظرنا إلى حال الدول التي شاركت في تلك الحرب، لوجدنا أن الأمر ذاته يتكرر و لكن بصورة أخرى، فحالة الكساد التي ضربت الدول العظمى في الثلاثينيات بعد فترة انتعاش عاشتها بعد الحرب العالمية الأولى، و ها هي الولايات المتحدة تتعرض في نهاية 1929 لانهيار في سوق الأسهم و خروج بريطانيا من اتفاقية التجارة الحرة و إيقافها العمل بالمعيار الذهبي، الأمر الذي أدى لعزوف ألمانيا عن سداد ديونها اتجاه فرنسا و بريطانيا كتعويضات عن أضرار الحرب، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي كانت تعصف باليابان و الاضطرابات التي اندلعت في شنغاهاي 1925 و ما تلاها من حروب داخلية في عموم الأراضي الصينية دامت لأكثر من عقدين.
لقد كان العالم أشبه بمرجل على نار حامية يوشك أن ينفجر، الأمر الذي منح الفرصة لهتلر بتسلم السلطة في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا.
في تلك الأثناء كانت قد ولدت جمهورية جديدة في إسبانيا على أنقاض الدكتاتورية العسكرية بقيادة (بريمو ديليفيرا)، إلا أنه بحلول 1935 قاد الجنرال (فرانسيسكو فرانكو) صراعًا جديداً ضد الجمهورية، واستطاع أن يسيطر على نصف اسبانيا بحلول 1937، لتصبح البلاد نموذجاً مصغراً عن الحرب القادمة والتي كان يحاول الغرب تفاديها، فكانت الحرب الدائرة في اسبانيا متنفساً لذلك المرجل.
يقول البروفيسور (فيليد زيلكو) أستاذ التاريخ في جامعة فيرجينيا: "لم يلعب أي بلد دوراً أكبر من الحرب الأهلية الاسبانية، كمسرح لسياسة التطرف وتصفية الحسابات بين دول أوروبا".
نعم لقد كانت معظم الدول الأوروبية متورطة بشكل أو بآخر في الحرب الأهلية الإسبانية فكانت تمد الطرفين (الجمهوريين ـ الفرانكويين) بالمال والرجال والسلاح، إلاّ أن ذلك لم يمنع قيام الحرب العالمية الثانية لأن أسبابها ظلت حاضرة طوال الوقت.
وهذا ما يوصلنا إلى الحرب الدائرة في سورية ضد الشعب السوري، التي أطلق عليها العالم ظلماً (حرباً أهلية) ليبرر كلّ التدخلات التي جرت خلال الثورة السورية منذ 2011 وحتى اليوم. تلك التدخلات التي لا نجد لها تفسيراً سوى محاولة الهروب من شبح حرب عالمية جديدة التي حذر من وقوعها د. أبو غزالة بحلول 2021، ولكن الهروب على دماء الشعب السوري لن يجدي نفعاً لأن أسباب الحرب لا زالت قائمة، وجوهرها "التنافس الاقتصادي" يزداد تفاقماً، وكلّ الذي فعلوه أنهم استطاعوا تأجيلها لعقد من الزمن، تماماً مثل الذي فعلوه قبل الحرب العالمية الثانية.
ياسر الحسيني
كاتب وإعلامي سوري