الموقف الفلسطيني والعربي بشأن صفقة القرن


 

تتباين المواقف الفلسطينية والعربية بشأن صفقة القرن حيث تعربُ في ثناياها عن الشجب والإستنكار تجاه إعلان ترامب الصفقة أو ما تعرف بخطة عملية السلام والتي بموجبها يتمُ تصفية القضية الفلسطينية ومحوها عن الخارطة بهدف توسيع الحلم الصهيوني داخل فلسطين وخارجها. 

الموقف الفلسطيني مازال خجولاً؟

الموقف الفلسطيني من خطة ترامب لم يرتق للمستوى المطلوب على المستويين السياسي والحزبي، فالوحدة الفلسطينية لم يتحقق أيّ شرط منها إلى الآن، وما دامت الوحدة الفلسطينية لم تتحقق فالقضية الفلسطينية في خطر، وصفقة ترامب تسير نحو التحقق، هذا ليس تشاؤماً بل هو الواقع بعينه. كيف سيطيح الفلسطينيون بخطة ترامب وهم يعانون إنقساماً استمر ما يقارب 13 عاماً ويسيرون في حلقة مفرغة، بينما تعمل إسرائيل وحلفائها في المنطقة على تهويد القضية الفلسطينية ب (أسرلة) فلسطين وجعلها محمية إسرائيلية بحتة.

السؤال المطروح في خضم هذا الموضوع هل المظاهرات والذهاب لمجلس الأمن سيبطل الصفقة أم أن الصفقة مستمرة؟ 

لم تعد القضية مسألة مظاهرات أو احتجاجات أو إستجداء الرأي العام العالمي بشأن صلاحية الصفقة من عدمها، بل أهمية الموضوع في كمية الوعي الفلسطيني تجاه المشروع وغيره من المشروعات التي حُيكت ضد القضية الفلسطينية، فالمسيرات والمظاهرات مجرد تنفيس عن الغضب كسابقيها من المظاهرات والإحتجاجات هذا على الصعيد الشعبي، أما على الصعيد الحكومي فالحكومة الفلسطينية كغيرها في كل مرة تندد وتشجب’، لكن اللافت للانتباه موقف الرئيس محمود عباس في مجلس الأمن حيث دعا إلى السلام بين الإسرائيلين والفلسطينين؟ أي سلام بين الفلسطينين والإسرائيليين سيكون؟ وماهي طبيعة الدولة القائمة تحت حكم الإسرائيليين؟ لا أعتقد من الناحية العقلية أن يكون سلام بين الطرفين فالإسرائيليين مجرد عصابات جاؤوا لسفك الدماء وقتل الأرواح من أجل الاستيلاء على فلسطين. لكن القضية ليست في تحقيق السلام من عدمه. مازال الفلسطينيون مرتبطون بشكل مباشر وغير مباشر بإسرائيل، ورفض الصفقة معناه بداية التحرر، يعني في الحياة السياسية يوجد تكلفة وثمن ألا وهو رفض كل الاتفاقيات السياسية والأمنية مع إسرائيل ودعم الاقتصاد الفلسطيني وتوطيد الفلسطيني على أرضه.

عندما ضربت اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية لم تستسلم بل حاربت فوق الأرض وتحت الأرض، وبنت تحت الأرض بيوتاً للعلم وأصبحت لاحقاً من أقوى الإقتصاديات في العالم، خلاف ذلك الجزائر التي قدمت مليون ونصف شهيد في سبيل التحرر من الاستعمار، لا أقلل هنا من الجهود التي قام بها الفلسسطينون على مدار 71 عام وقبل ذلك، كلنا ندرك أين المشكلة؟ لكن الجهود نحو إصلاح المشكلة تسيرُ عكس الواقع.

خطاب الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة وخطابه لاحقاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق معتبراً إياه رجل السلام؟ السؤال المطروح إذا كان هذا رجل السلام فبنيامين نتنياهو حمامة السلام؟ من قاد المجازر وأشرف عليها في داخل فلسطين وغيرها من قتل الأطفال دير ياسين؟ من اغتصب النساء ومثلّ بجثثهن؟ من قتل الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي في الخليل عقب صلاة الفجر عام 1994 والتي راح ضحيتها 29 شهيد فلسطيني، لاننسى مجزرة صبرا وشاتيلا، ومخيم جنين، وغزة وغيرها، كل الاسرائيلين متوحدين في قتل وسفك دم الفلسطيني إلا الفلسطيني ما زال غائباً عن فرضية الوحدة وتحقيقها التي تقود إلى دولته الفلسطينية. 

الموقف العربي من صفقة القرن:

ما بعد أحداث الربيع العربي وتغيرّ معالم العالم العربي في بعض مناطقه وبروز قيادات عربية موالية للجناح الصهيوني بل داعمة له ومطيعة له في غالبية بل جلّ مناحي الحياة، علينا إدراك أن مجيء تلك الأنظمة الجديدة والتي حرصت على إماتة الروح الشعبية العربية تجاه الفلسطينين وجعل قضية البطالة والفقر والجوع ملهاة لهم حتى يستظلوا بظلها؟ لا نعاتب الشعوب العربية التي تبحث عن لقمة جائعة وسط حالة من التردي والألم؟

الشارع العربي كما قلت يعيش تحت ظل أزمة البحث عن البقاء والعيش فبالتالي القضية الفلسطينية لم تعد تحتل أجندته لا سيما بعد احتلال العراق، وتهجير السوريين من سورية، وتدمير اليمن، والقضاء على المعارضة المتبقية في ليبيا، كل هذه التداعيات من شأنها أن تسهل على الإسرائيليين وحلفائهم مرور صفقة القرن. 

ولا نريد أن نعاتب الدول العربية الرافضة للصفقة على جمر من النار أو التي قبلت وحضرت الافتتاح وصفقت وباركت الصفقة، نحن الفلسطينيين مع الأسف نعتبر أن بيرس رجل سلام، وأن التنسيق الأمني مع المحتل على أوج قوته. 

عكس الرفض أو القبول الخجول كان موقف الكويت خاصة مرزوق الغانم الذي عبر عن موقفه بكل شجاعةً ليس الأول وليس الأخير، المطلوب ليس رمي الصفقة في حاوية القمامة بل وقف كافة أشكال التطبيع السري والعلني مع إسرائيل، وإيجاد استراتيجية فعلية بدلاً من الاجتماعات الفارغة والشجب المستمر، فالاقصى منذ عام 1967 وحتى الآن مازال يقبع تحت السطوة الصهوينة، إلى جانب الهيمنة الاسرائيلية على الأراضي الفلسطينية وبسط ذراعيها مؤخراً على الأغوار في إطار أكل الأخضر واليابس. 

بعد كل هذا السنوات العجاف لابد للعرب أن يحددوا موقفهم من القضية الفلسطينية إما مساندةً للقضية أو تطبيعاً مع الاحتلال الإسرائيلي، والأخيرة أصبحت متفشية بل ظاهرة نشاهدها ولا تحتاج إلى توكيد.

كما لا يمكن للفلسطينيين أن يذهبوا للأمم المتحدة وغيرها أو أن يعاتبوا جيرانهم العرب وهم منقسمين على أنفسهم، ولا يمكن أن تتحقق الصفقة، وعقول الفلسطينيين منشغلة في تأمين الراتب، رفض الصفقة يعني بداية التحرر وإستعادة الوعي نحو الدولة الكاملة، أما البقاء على ما هو عليه فهو يخدم الإحتلال ويسرعّ تنفيذ مشروعه في المنطقة.

 

 

د. معاذ عليوي

أكاديمي فلسطيني

 

 

Whatsapp