عنّاب


 

 

وأنا من هناك أيضاً

لا بدّ، في الطريق إلى البيت، من أن أمرّ بمفرق العنّابة

وأتذكّر كلَّ مرّة

أنّي ما شفيت من الرّمد 

حتّى دقّت أمّي بعضاً من لحائها

واكتحلت به

وما عاد لابن عمّي، ملك العتابا، صوتُه 

بعد السجن

إلّا حين مضغ، سبعةَ شهور  

وَرَقَها على الرّيق

 

ولازم أنّك، مثلي، سمعت أو رأيت

كيف في صيف 1982

قصّتها دوريّةٌ من الأمن العسكريّ

فقد كانت النسوة يجمعن حبّاتِها 

ففي شراب منقوعها

شفاءٌ من فسادِ المزاج 

وقرحةِ المعدة، وحكّةٍ في البدن

لكّنّ عناقيد من الأزهار الصفراء

ظلت، في اللّيل تتدلّى

من شرفة صاحبها كتيجان

 

وحين شاع أنّ العنّاب 

هو نفسه شوكُ المسيح

اعتقلوا الكاهنَ في الحيّ المجاور

وطوّقوا الكنيسة 

ليُخرجوا من قبوها أكياساً منه

ومع أنّ مفرزةً بركت محلّه

وسدّت كلّ الشبابيك المطلّة 

على نقطة علّامنا في زيارة الغرباء 

لم ينس بهجتها أحدٌ

 

ما زال اسمه مفرق العنّابة

وما زال ظلّها السميك لا يرى لأيّ كان

ما إن يعرفك حتّى ينهض

وتحلّق من أوكار خفيّة 

عصافيرُ بنّيةٌ إلى محمرّةٍ

كنّا نظنّها انقرضت

عندما كانت، وهي تحاول الفرار،

تعلق رقابُها الصغيرة بالأسلاك الشائكة.

 

 

سلام حلوم

شاعر سوري

 

Whatsapp