سكرات الوداع


 

 

                                           


 

نزوح..؟!. لا أدري من أي وادٍ جاؤوا بهذا المصطلح.

أيقنت أن المعنى القلبي في دواخل هذه الكلمة هو انزياح القلب وتشتت الروح. الأوجع من هذا كله ... ترك مدينة تكتظ عشقا. 

هنا سكرات الموت بأشكالها تتفرد بهؤلاء الأبرياء، لا موت حقيقي ولا حياة حقيقية، إقامة بين الأسى والتشرد، الوهم يحيط بنا وأغشانا الظلام. 

كيف سيحمل المرء ذكرياته ووطنه ودفء بيته في حقيبة السفر تلك، تحت أي سكرة ألم سيغادر الناس هذه الجنان؟!. 

أفواجاً يغادرون إلى المجهول، كأنما هو يوم الساعة وما الساعة بقائمة، رباه كم انهمرت دموع القهر على عتبات طرقات هذه المدينة، رباه كم بكت العيون حرقة وشوقا وألما.

أقف. أتفحص ملامح الفارين من هول الأحداث وأشخص حالاتهم، هم بغم ممزوج بالوجع والخوف، خليط من المآسي يزينها عشق الوطن والأرض. 

نهرب من العذاب فنلقى العذاب مرحبا بنا من الجهة الأخرى، ننجو من الغرق فنرمى على شاطئ الأسى.

رباه.. هذي البلاد تستغيث بك..

رباه .. هؤلاء عبادك يرجون رحمتك.

هرمنا .. هرمت أرواحنا أوان تفتح أزهارها.

أيقال حقيبة سفر؟! لا فتلك تستخدم للسياحة والنزهات. أما الحقيبة هنا فليست سوى مصطلح للتشرد والذعر من الموت..

لا أبجدية تكفي لوصف ما يجول في دواخل أرواحنا المهاجرة، كأن الشوارع تغتسل بدموع الراحلين تحت سماء تكتظّ بالأدخنة، وكأنها تحترق حزنا على حال هؤلاء المظلومين.

هنا الصرخات تتعالى في كل ركن وزاوية، تتعالى فتزدحم بها السماء، ولا أمم تسمعها..! 

تمطر تارة باكية على حالنا وتشرق تارة مؤنسة إيانا.

هذه البلاد حنون، 

حنون بشمسها وظلها ومائها..، ربّاه يا ربّاه كيف نغادرها؟!

سيتشظى الفؤاد في البعد عنها وسيذبحنا الفراق. كيف يا الله سيحتمل وجع الحنين؟؟.

ما الوطن الا صدر وحضن ونبض قلب.

أماه.. نار الشوق تعصف بي ونحن ما نزال في أوّل التيه، وأرى الناس تهرول وقد استبدّ بها الإرهاق والعناء.

لا تنادي يا أماه.

هذه الأمة مقطوعة الآذان.

سلام وقبلة إليك يا إدلب يا مدينة الحالمين بالعدل والرحمة والحرية.

نعاهدك يا حنون بأننا باقون ما بقي شامخاً في ربوعك الزيتون، وسيدهس الظلم ذليلا تحت طاهر نعلك.

نعدك يا حبيبة بأننا عائدون.

 

علا عبد الغني المصري

كاتبة سورية

 
Whatsapp