الثورة كحـركة تقدم سياسيـة وثقافية عامة، وكتيـار شعبي ينهض معها باتجـاه تحقيق أهـدافه، وبنـاء تحـرره ووحـدته ومشاركته الفعالة في التحرر البشري والحضارة الإنسانية، هذه الحركة تمر اليوم بمرحلة تاريخية صعبة وخطيـرة، بل بمرحلة الجمود التاريخي والضياع بعد اندحار حركة الجمـاهير و تشتتها وتشرذم طـلائعهـا النضالية وتفتتها، وصعود قوى الانتهـاز والعمـالة والــردة والاستغـلال والتـابعيـة لأجندات ونظـم، إنهـا المـرحلة الـنقيضة لمـرحلة المد الثوري بعد منتصف آذار/مارس 2011، لقـد أخـذت أبعـادهـا بعـد إطلاق الحـرب على الشعب وبـروز الـدور الإيـراني وميليشيـاتـه إلى العـلن من أول يـوم للثورة - بعكس مـا قيـل ويقـال – بالتكـامل مع تركـز الاستبـداد والإقليميـة والفـاشية والإرهـاب البوليسي على الشعب الثائـر، فدُمـرت جميـع البنى الـوطنية الاجتماعية والثقافية والسياسية فضلاً عن البنى التحتيـة كلهــا، لتعـود وتتـأكـد قضية الثـورة من جديـد، تحت راية التحـرر الوطني لتطـرح نفسها – وبعـد الاحتـلالات التي استدعـاهـا نظـام الفشـل والنهـب والفسـاد والجـريمـة والاستبـداد البعث أسدي - كضرورة لا بـد منهــا، وكنهـجٍ لا بديل عنـه لمواجهة هـذا الـواقـع الثـوري المتعثـر وتغييــره.
عنـدما تصبـح قـوى العمالة والثـورة المضادة هي المُمسكة والمُتحكمة بتنفيـذ الأجنـدات والاتفـاقـات الإقليميـة والدوليـة من باب الإذعـان، كمـا يقــوم بـه نظـام (الجوسسة) والتبعيـة الأسـدي أيضـاً، لا يعـود هنـاك من موقـع للوطنيـة والتحـرر ولا من موقـع لقـوى الثـورة ووحـدة قـواهــا، إلا في مواجهـة هــذا الــواقـع ومعـارضة كل من ساهـم بـه وأوصلنــا إليــه.
لقـد خرجت من الثـورة كما خـرجت عليهــا مجموعـات أخـذت مـواقف وتكوينـات مخالفـة لـها أو متناقضة معـهـا، وليـذهب العديـد منهـا وباسمها إلى مواقـع العمـالـة المضادة لهـا، بل إلى خـدمـة نظـام التبعيـة والجريمـة والاستبـداد القابع بدمشق، وخـدمـة دوائـر صنـع القـرار الإقليميـة والدوليـة التي ترعـاه، وترعـاهـم، وتديـر معركتهـم ضد الثـورة وجمـاهيـرهـا.
فهـل يمكـن التخـلص من تبعـات ذلك؟ وكيــف؟ إنها المراجعـة الشاملـة للمجموعـات والتكوينـات التنظيميـة ونهجـهـا السياسي وتحالفاتـها وعلاقاتـها انطـلاقاً من تقييم التغيـرات التي وقعت، من تراجـع حـركة الثـورة وصعـود قـوى التطرف والثـورة المضادة فضلاً عن نُظــم الفاشيـة والـرجعـة والظــلام والـردة العـربجيـة، هـذه القـوى والنظـم التي أصبحت بحكـم تركيبهـا الاجتماعي والأيديولوجي وبحكم مصالحهـا الفئـويـة والإقليميـة وروابـط التابعيـة التي ترتبط بهـا، وبحكم لا ديمقراطيتها ومعـاداتهـا لحـركة الجمـاهير وحرياتهـا، عاجـزة كل العجـز ومُرتهنـة بالخيـانـة والعمـالة لمن يُشغلهــا من دول الغـرب الإمبريـالي والصهيونيـة وذيـولهـم من الإيرانيين والـروس والصينيين وباقي دول مجلس أمـن الجريمة الدولي، فضلاً عن أنهـا تعتـرض سبيـل الاندمـاج الـوطني بشكل مكشـوف وفاضـح أيضاً، وعلى هـذا الأساس ندعـوا للعمل مجـدداً لبنـاء الوحـدة الوطنيـة لكل أبناء شعبنا ومكونـاتـه ممن اكتـوى بنـار الفُرقـة والتشتت وأهـلــه، ذلك من موقـع معارضة هـذا الـواقـع، ورفـع راية الديمقراطية والتغيير الديمقراطي للمجتمع والدولـة، من خـلال مؤتمـر وطني لقيـام جبهـة وطنيـة حقيقيـة موحــدة وعـريضـة في موقـع المعارضة للتصدي لمهمـات الثــورة.
إن هـذا التغييـر الشامل والنهـج الـوطني مـع كل الصعوبات الكبيرة التي تعترض سبيـلـه، والإرهـاب السلطوي الدموي والـدولي الذي سُـلط على شعبنـا وعلى التحركات الوطنية الديمقراطيـة منـذ خمسة عقـود ومازال، أحاطنـا بظروف استثنائية قهـريـة لـم نقو على اختراقهـا ولعبـت القـوى الإرهابيـة الطائفية والقـوى الفـوضوية المتطرفـة التي نـزلت إلى ساحة الثورة والمعارضة دوراً سلبيـاً – كمـا لعبت سـابقـاً - بل كارثيـاً في إحبـاط مشروعنا الثوري وعملنــا الـوطني الـديمقراطي، إذ عـززت الشرخ الطـائفي في المجتمع الشعبي، وقـدمت لنظـام الاستبداد والجريمـة وحلفـاءه ما يريـدون من مبـررات لتصعيد ممارسـاتهم القمعيـة والإرهـابيـة ضد الشعب كلـه، بشكل لـم يسبق لـه مثيـل في التاريخ وبذلك زادت من عِثـار الحـركة الثوريـة والوطنيـة الديمقراطية المعـارضة خـلال هذه الثورة العظيمـة بشعبهـا وتضحيـاتهـا.
ومـع كل المصاعب التي بـرزت في ساحتنـا الوطنيـة والشتـات، ندعو للتشبث بالنهـج الثـوري الـوطني الديمقراطي أكثـر، مـؤكدين أن لا طريـق صحيحة غيـره لتـأكيد اللُحمـة الوطنيـة للشعب وللدفـع من جديـد على طريـق التغييـر، والاستـدلال إلى طريقـه وأهدافـه من خـلال الاحتكـام دائمـاً إلى مصلحـة جمـاهير شعبنـا وأهــداف ثـورتـه وتطلعـاتهـا وإلى واقعهــا ومعـانـاتهـــا.
عبد الباسط حمودة
كاتب سوري