آذار والثورة وإشراق


 

 

في الخامس عشر من شهر آذار/مارس عام 2011 انطلقت الثورة السورية التي أتمت عامها التاسع اليوم ودخلت في العاشر، وقد تزامن هذا التاريخ مع موعد احتفالنا بصدور العدد رقم 100 من صحيفتنا (إشراق) في الخامس عشر من آذار/مارس الجاري. هذه الصحيفة التي انطلقت في العام 2015 والتي واكبت مشوار الثورة السورية وما حملته من هموم وأحداث جسام، حيث استطاعت أن تحقق انتشاراً واسعاً بفضل همة القائمين عليها وإصرارهم على أن يجعلوا منها منبراً للأحرار وجسراً للتواصل وتلاقح الثقافات. 

بالرغم من ادعاء البعض بأن الثورة قد تلاشت واعتراضهم اليوم على التسمية والتصنيف، حيث أنني ما أزال أصرّ على تسميتها بالثورة فهي ثورة غير تقليدية ولا يمكن مقارنتها بغيرها من الثورات التي انطلقت بظروف مختلفة، نعم هي من أعظم الثورات الكاشفة الفاضحة العابرة للحدود، ومن أعمق وأصدق الثورات التي مرت بتاريخ البشرية شاء من شاء وأبى من أبى، أما الذين يطعنون بها وينشدون "ثورة ملائكة" فأقول: (إن الملائكة لم يُخلقوا ليقوموا بثورات)، وإن حجم التآمر والتدخل الذي منيت به لا ينفي، بل يؤكد كونها صمدت طيلة تلك الأعوام في وجه أعتى قوى الشر التي حاولت تقويضها كما قوّضت وروّضت معظم الثورات التي سبقتها والتي لحقتها، فأدخلوا السوريين في متاهة المؤتمرات والمفاوضات واللجان ليصل الحال إلى 15 جولة في أستانا، و8 جولات في جنيف وجولتان للجنة الدستورية، وبعد كل جولة كان النظام يرفع من وتيرة اعتداءاته ويقضم الأرض شيئاً فشيئاً بمباركة ومساندة وتجاهل معظم دول العالم ومجموعة (أصدقاء سورية) الذين خدعوا السوريين في بداية الثورة وباعوهم كلاماً أجوفاً لا يسمن ولا يغني من جوع . 

أما للذين ما فتئوا يلومون من ترَك الوطن وتهجّر قسراً قبل أن يهاجر طوعاً ويعيبون عليه ابتعاده فأقول: حين يُقهر المواطن وتخنقه الغربة وهو مقيم في بيته وبين ظهراني وطنه وأهله وذويه،  وحين تعتريه الدهشة وهو يقارن وطنه ببلدان الجوار من حيث الأمان والتطور والنظافة والخدمات والقضاء والتعليم وحفظ الكرامة، بالرغم من غنى أرضه التي تجثم على ثروات لا تُعد ولا تُحصى، وحين تُسلب حريته وتُهان كرامته من قِبَل أراذل البشر من اللصوص والميليشيات الطائفية وقطاع الطرق والرعاع فقط لأنهم يعملون خداماً ومطايا عند هذه العصابة أو تلك، حينها يتلاشى لديه الشعور بالانتماء للوطن ويتحول وطنه إلى صفحة سوداء قاتمة في حياته، فيَصِل إلى مرحلة من الحيرة حيث تختلط عليه مشاعر الأسى والتشفّي إذا ما تعرضت مرافق تلك العصابة للاستهداف من عدو خارجيّ!!

الوطن ليس بكلمة تُنطق أو قصيدة تُنظم وهو ليس مجرد ترابٍ، وماء، وبناء، وسماء، بل يُفترض أن يكون حالة متجسدة في النفس، وباقية إلى الأبد، وأيقونة الفرح والاطمئنان والسكينة، الوطن هو كرامة الإنسان، وهو الحبيب الذي لا يخون، والأرض الحانية التي تحتضن أبناءها في حياتهم قبل مماتهم، فتمنحهم قبل أن تطلب منهم، وترفعهم وتعزّهم ولا تذلهم، هذا هو الوطن الذي ينشده أحرار سورية، وإذا ما تحقق ذلك يمكن للوطن أن يعاتب أبناءه إن جفوه أو هجروه وخاصة الذين يعتبرون أن "الحرية أغلى من الخبز" ويجسدون ذلك واقعًا معاشًا.

 

 

محمد علي صابوني

كاتب سوري

 

 
Whatsapp