الثورة السورية… مستمرة. وصحيفتنا إشراق بخير


 

 

                 

مع بداية السنة العاشرة للثورة السورية، يمكن الحديث عن التغير النوعي في سلوك الشعب السوري، الذي وأخوته في بقية دول الربيع العربي، انتفض على الذل والاستبداد والخوف والتخلف والفساد وفقدان الكرامة الانسانية والوطنية، حيث قام وأعلن مطالبه بحقوقه المسلوبة منه منذ عقود، حقوقه في حياة حرة كريمة عادلة ديمقراطية. حياة يعيشها الإنسان، ويعتز بإنسانيته عندما يعيشها. هذا التغير النوعي في سلوك الشعب السوري، سيبقى مشرقًا ومنورًا لنا كسوريين عبر السنين، وإننا تجاوزنا عصر العبودية الجماعية لنظام القهر والظلم إلى غير رجعة.

في ذكرى ثورتنا أيضًا، يتداعى إلى أذهان الشعب السوري، أنه رغم كل تضحياته وتقديمه الغالي والنفيس، بدءً من الروح حتى المال والاضطرار إلى اللجوء للمحافظة على الحياة، وهذا النظام القمعي المجرم، لم يسقط لأن هناك قوى دولية أرادت له الاستمرار، وليس لأنه استطاع الدفاع عن نفسه سواء بالشرعية المعدومة أو بالقوة الذاتية العارية. كان ساقطًا موضوعيًا وواقعيًا، لكن قوى الظلم العالمية أرادت للثورة السوري أن تموت هي وثورات الربيع العربي كاملة، لأنها سابقة غير مقبولة دوليًا لمطالب في الحرية والعدالة والديمقراطية، وسابقة في العلاقة الندية مع كل دول العالم، التي مازالت قواه العظمى تدعم أنظمتها الاستبدادية وتدعم وجود الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني والعربي، وتستمر بنهب خيرات البلاد العربية من بترول ومال وغيره. كان إسقاط الربيع العربي قرارًا دوليًا، دفعنا ثمنه نحن الشعب السوري وكذلك شعوب دول الربيع العربي. 

 

إن استمرار الثورة السورية بمطالبها العادلة، حتمية تاريخية ومجتمعية، فلا عودة للخلف بالمعنى الاستراتيجي لشعبنا، هناك على أرض الميدان تقدم وتراجع في الصراع مع النظام، لكن ذلك لا ينعكس على مشروعية الثورة ولا على إصرار شعبنا على الاستمرارية بها حتى إسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية العادلة لكل الشعب السوري. وأن واقع سورية الحالي يثير الألم والسخط، فقد حولها النظام المستبد إلى دولة فاشلة محتلة من الروسي والإيراني الميليشيات والمرتزقة الطائفين، ناهيك عن التواجد الأميركي و ال ب ي د الانفصالي الكردي، هذا غير واقع الفقر والجوع وفقدان الأمان داخل مناطق سيطرة النظام، إلى درجة تعتبر فيها سورية الحالية في أواخر دول الفقر في العالم، أما السوريون الذين استطاعوا أن يخرجوا حفاظًا على أرواحهم فقد استطاع أغلبهم أن ينغرس حيث وصل ويبني ذاته ويؤسس لمستقبل أفضل له، ليؤكد أن الشعب السوري قوي ومعطاء ويبني حياته الأفضل في أصعب الظروف. لقد انتصر إنساننا السوري حيث وصل في كل بلاد العالم، وهذا ما نعتز به. 

أما ما عايشه أبناء شعبنا الأكثر إيلامًا، هو هذا الصمت الدولي عن مليون شهيد وأكثر، من الشعب السوري، ومثلهم من الجرحى والمصابين والمعاقين، الملايين المشردة في الداخل والخارج، البلاد التي أصبحت دمارًا، والبشر الأرخص في لعبة السلاح المسلطة على أهلنا في سورية، وخاصة في إدلب وجوارها هذه الأيام. نحن كشعب سوري لسنا سوى خططًا وأرقامًا وحسابات عند القوى الدولية الفاعلة، حياة شعبنا وأطفالنا وما يعيشون من قتل وتهجير وتدمير، مسكوت عنه وكأنه غير حاصل. مازلنا نردد أن عار ما يحصل في سورية يجلل العالم بأسره.

أما في ذكرى ميلاد إشراق مع عددها المئوي نقول: لقد أيقظت الثورة السورية طاقات الشعب السوري كل في مجاله، فذاك الذي التحق بالثورة المسلحة حتى استشهد أو ما زال على خطوط النار يقاتل النظام الظالم، وذاك الذي حمل عائلته في منافي العالم وحافظ عليهم وصنع لها مستقبلاً أفضل ليكونوا بناة سورية المستقبل، وذاك الذي حمل قلمه وكتب موثقا للثورة مقالًا أو قصة أو رواية، وذاك الذي حمل آلة التصوير ووثّق بالصوت والصورة، أو صنع أفلامًا تخلّد كل شيء وتؤكد أن الشعب السوري حي. كذلك إخوتي في إشراق أولئك الجنود المعلومون الذين صنعوا وليدهم الفكري السياسي التنويري للثورة السورية، كشمس تقوم بدورها التنويري، هذا غير الدفء المعنوي والنفسي. اسم اختاروه ليكون منبرًا ثوريًا يطل على واقع الثورة السورية، وينير دربها كشمس باستمرار. في ذكراها المئوية نقول معًا ودائما مستمرون حتى صناعة سورية الحرة الديمقراطية العادلة. وما بعد ذلك في سوريتنا الواعدة. 

أخيرًا: ليس لنا في ذكرى ثورتنا إلا قولنا إننا مستمرون في ثورتنا، لأنها رمز انسانيتنا التي استعدناها منذ تسع سنوات ومستمرون بالحفاظ عليها، لأنها حريتنا وكرامتنا وحقنا بالعيش الكريم والعادل، إنها حقنا ببناء دولتنا الديمقراطية.

 

 

أحمد العربي 

كاتب سوري

 
Whatsapp