عنتريات الدّونكيشوت المعاصر "بشّار الأسد"


 

 

يُحسَب لبشّار الأسد نقلُه مصطلح (الدّونكيشوتيّة) من ميداني الأدب وعلم النّفس إلى ميدان السّياسة والخطاب السّياسي، فقد اشتُهِر هذا المصطلح مع ذيوع رواية (دون كيخوته) للرّوائيّ الإسبانيّ (ميغيل دي سِرفانتس)، ولاسيّما بعد اشتهار اسم بطلها الأسطوريّ (الدّون كيخوت دي المانتشا)، الّذي أسهب نقّاد الأدب في دراسة حالته، وغاص علماء النّفس يحلّلون عقدة هذا العمل الرّوائيّ؛ القائمة على السطوع نحو الفروسيّة دون امتلاك أدنى مقوّماتها من شخص هزيل على المستويات السّياسيّة، العسكريّة والخلقيّة.

تتجسّد هذه الشخصية اليوم بالوريث "بشّار الأسد" إذ أصبحت (عنترياته) مصطلحاً سياسيًاً قريباً من مفهوم (الدّونكشوتيّة) التي يتفوّه بها في خطاباته السياسية، لا سيما في خطابه الأخير عند وصفه بشطارة جيشه في استعادة السيطرة على ريف حلب الشمالي بالكامل بعد تدميره وحرق أراضيه بواسطة الطائرات الروسية.

حُلم بشار الأسد منذ بداية الثورة كان ومازال حرق سورية، وتشريد أهلها وتهجيرهم، واعتقال ما تبقى منهم مع إمكانية إعادة إعمارها كحلم -دونكيشوتيّ رومانسيّ- بالاستفادة من الصمت الدولي القذر، والتعارك السياسي على الأرض السورية.

تتجلّى الدّونكيشوتيّة في شخصيّة بشّار الأسد على المستوى السّياسيّ، في التّناقض من خلال تبنّي الخطاب الخشبي بوصفه ممانعاً تارةً ومحاولة التّملّص من العروبة وما تتطلّبه مستلزماتها من طرد المجوس الإيرانيين وميليشياتهم تارة أخرى، وكَيل الاتّهامات للدّول العربيّة مرّة، وللدّول الّتي تؤوي النّازحين السّوريّين مرّة ثانية، مع العجز عن امتلاك أيّ أوراق فاعلة للتّفاوض حتى مع المليشيات المناصرة له أو الضّغط عليها من أجل إخراجها من سورية بعد النّصر المزعوم، أو الحوار مع من يتّهمهم بمعاداة نظامه.

الدّونكيشوتيّة العسكريّة الّتي كشفت عنها الثّورة السّوريّة لدى بشّار وجيشه ا حطّمت سطوة الأمن، ودمّرت أسطورة النّظام المجرم الّذي لا يُقهر، مثلما كشفت عن كذب الادّعاء بامتلاك صواريخ الدّفاع الجوّي الرّوسيّة المتمثلة (S300 – S400)، مع فتح الأجواء المستمرّ لطيران القاصي والدّاني للقصف وتجريب كل أنواع الأسلحة في الجغرافيا السورية، واختبار ما يُراد من منظومات على أهداف مدنيّة أو عسكريّة دون اهتمام أو مبالاة لأي شيء، إلّا بزيادة أيّام السّلطة يوماً جديداً أو أكثر على كرسي الرّئاسة المشؤوم.

لعلّ في صور بشّار الأسد الأخيرة ما يملأ الكيل ويُفيضه من إهانات جسمانيّة معنويّة لبشّار الأسد دونكيشوت السّياسة المعاصر؛ مثل صورة بشّار المهزوز في خطاباته، وصورة بشّار الذّليل، وإيقافه من قبل الجنديّ الرّوسيّ وسحبه إلى خلف الخطّ الأصفر وراء بوتين في قاعدة حميميم السّوريّة، واستدعائه على عُجالة بطائرة شحن إلى إيران، ونزوله فيها دون استقبال، وإجلاسه دونما رفع أيّ علَمٍ لنظامه، الّذي يفاوض بعض المدن والأحياء السّوريّة من أجل رفعه.

نعم، لقد استطاعت الثورة السورية - مع اكتمال سنتها التاسعة – أن ترسم صورة كاريكاتيريّة مضحكة لأول دونكيشوت سياسي معاصر، بعدما رسم لنا ميغيل دي سرفانتس صورة الدونكيشوت الأدبية الخالدة منذ قرون.

ورغم هزلية المشهد السياسي الذي يفضح "بشار الأسد" مع كل إطلالة وعنترياته الفارغة، تلمع الثورة السورية التي تستعيد ذكرى انطلاقتها التاسعة في وطنٍ يرقص (حماته الجنود) على جثث أبنائه، كي ينتشي الدكتاتور الوريث، ويبقى الوطن بين أنياب ومخالب ضباع العالم، قتيلاً لا نجاة له إلّا بتحقيق العدالة وتقديم كل مجرميه إلى المحاكم، كي ينالوا عقابهم وعلى رأسهم المجرم "بشّار الأسد".

 

 

المثنى سفان

كاتب سوري

 

Whatsapp