سمفونيات سورية


 


 

 

 

أغسل وجهي هذا الصباح

لون الماء أصفر

وفي المرآة فراشات بيضاء

تختفي خلف الغيم

......

يدخل أستاذ التاريخ

  • درسنا اليوم عن الكيمياء

لكن السبورة لا تتسع

لكل الصور

......

هل تعرفين بأنه مفتون بك

عاد يستمع للأغاني القديمة

ويتذكر حبيبته

التي انتحرت قبل أعوام

......

يكتب على الورق

يتذكر أيام الحبر

كان لونه أزرق

هذا البحر يذكرني فقط بالسوريين

لم يعلمهم الوطن السباحة

لم يعلمهم شيئاً سوى الشعارات

......

هل تعرفين في أي يوم نحن

وماذا حدث في مثل هذا اليوم

قبل عامين

اكتشف أطفال الغوطة لعبة جديدة

ألا تثق بالهواء

......

هل نسيت شيئاً أيها العابر

السيجار بين أصابع غيفارا

والفراشة في أعلى السرير

على فم روبن وليامز

السبحة الصفراء

والشال الأزرق

الرجل الذي لازال يضحك في الصورة

والمرأة المقعدة

من يدفع كرسيها بعد الآن

.......

هل كنت ستقول شيئاً أيها العابر

لا شيء ...

كنت سأقول فقط

بأنني أتألم

.......

المدارس مغلقة بقرار دولي

لا دروس بعد اليوم

يقولها الأطفال الذين تعلموا كل شيء

من الحرب

.......

قالت لي

حين فرقنا الرصاص في المظاهرة

كنا نركض إلى أي بيت يشبه بيتنا

هل تعرف من أمسك بيدي يومها

هو ذاته الرجل الملثم

الذي أحبني عشرين سنة

واختار الوطن.

......

قطعوا رأسه

الحارس الروحي لآثار تدمر

البارحة علقوه

بين الأعمدة

يقال إنهم أمسكوا به

وهو يمارس الحب مع زنوبيا

.......

لم يبق الكثير يا طفلتي

إنهم في المتاهة

تسعة وتسعين باباً للعدم

وواحد منها للنجاة

باب المقبرة

.....

إذا متنا كلنا

وبقيت وحدك على الشاطئ

نادي على طفلتك الصغيرة

قل لها يا سورية

حتى ولو كان اسمها على الورق

هاجر.

......

لم يعودوا يا أمي

والشمس غابت للأبد

أين سأكتب أسمك يا بلادي

......

اشتقت لهم

بناتي اللواتي يكبرن في الصور

أخذتهم مني امرأة جميلة في بلد بعيد

امرأة غريبة ..

كانت حبيبتي عشرين عاماً

....

هل قال لك أحد ما قبلي

أن لعينيك رهبة مطلقة

وان الوقوف أمامهما

يحتاج مئات التمارين الشاقة

هل قال لك عابر ما ذات يوم

بانك كارثة تمشي على الأرض

......

هل تعرفين من هو

المحظوظ رقم واحد في العالم

أنه السوري الذي مات في أول الثورة

لم ير كل هذا الخراب

.....

البارحة كنت خارج التغطية

لكنني متأكد

لا أحد أتصل بي

ومتأكد أنه لا رسائل قصيرة أيضاً

فكل الذين أحبهم رحلوا.

.......

اقتنصوه

على بعد مترين من بيته

لم يستطع الزحف

لكن دمه سأل باتجاه الباب

ودفنته الجارة ليلاً خلف المنزل

دفنته

فوق زوجها

......

في عمق الجبهة

استعان بالخطوط التركية

ليتصل بأمه على عجل

قال لها: 

أنا بخير يا أمي.

وكان هذا آخر أتصال له منذ ثلاث سنوات 

لكن أمه

كل يوم تبتسم للجيران

إنه بخير..

لقد اتصل البارحة بي وقال:

أنا بخير

....

الحرب دخلت عامها التاسع

وأمي تسألني:

هل مات الدكتاتور

كيف قتلوه

أين علقوه

في أي نهر رموه

وفي أي مدينة بتروا أصابعه العشرة

أمي لا تتابع الأخبار

منذ أن سقط البرميل خلف منزلها

منذ أن

رأت طفلة بلا رأس

.....

حين غادرنا الوطن

كنا ننظر للخارج

هاربين من يأسنا المميت

لم يقل أحدنا للآخر

توقف .. توقف

فهذه البلاد لا تترك لوحدها

هذه جراح ستكبر.

......

هل تذكرين فاطمة معلاج

الطفلة السورية التي قطعوا رأسها

وأرسلوها إلى السماء بلا رأس

هل تذكرتها الآن

البارحة لمحت رأسها

وأنا أتأمل نجم القطب

في شمال الأرض.

.....

هل تعرفين ماذا أريد الآن يا حبيبتي

بعد كل هذا الألم

أريد أن أنام كملك يموت

كملك خسر كل المملكة

بلحظة قصيرة

كالعمر.

 

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

 
Whatsapp