المرأة ودورها في الثورة السورية


 

 

آذار شهر مناسبات للمرأة ففي الثامن منه يوم المرأة العالمي وفي الحادي والعشرين عيد الآم وما بينهما في الخامس عشر من آذار مرت الذكرى التاسعة للثورة السورية فما الذي قدمته المرأة في الثورة؟ ماهو الدور الذي لعبته فيها؟ هل كان يتناسب مع المجتمع وإمكانيات المرأة؟

كيف تعامل النظام معها ومع الدور الذي لعبته؟ هل أعطيت حقها في الصحافة والإعلام؟هل كانت مشاركتها فعالة وذات فائدة؟ وهل كان لها دور على المستوى السياسي؟

للإجابة على هذه الاسئلة نحتاج إلى البحث مطولاً في مشاركة المرأة فهي موجودة في كل الأماكن ويجب أن لاننسى أنها كانت منذ اللحظة الأولى في كل مفاصل الثورة وأنها أحد المحفزات لبدء الثورة عندما تكلم عاطف نجيب بسوء عن نساء درعا كما أنها كانت مشاركة منذ اليوم الأول ولعلنا لازلنا نذكر أن سهير الأتاسي ورزان زيتونة وبعض النساء الناشطات كن من أوائل المتظاهرات في 15/3/2011 في الوقفة أمام وزارة الداخلية في دمشق للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في المقدمة مع الرجال النصف الثاني من المجتمع.

هذه المظاهرة ليست الوحيدة فقد  شاركت المرأة السورية منذ بداية الحراك الثوري وقدمت العديد من الشهيدات والمعتقلات وكان لها دور بارز بالحراك السلمي كما رأينا في أحداث قرية البيضا في مدينة بانياس والدور الكبير لطالبات الجامعة بحلب  بالمظاهرات السلمية في أوج التضييق الأمني وانتشار الشبيحة، كما ساهمن في كتابة اللافتات ومساعدة الجرحى وإيواء المتظاهرين ورغم أنها ليست كالرجل من الناحية البدنية فإن المرأة شاركت في تحمل أعباء المعارك ليس بالتمريض واﻹغاثة والتشجيع لأبنائها وأخوتها وزوجها فقط بل حتى في حمل السلاح إلى جانبهم فشكلت كتائب نسائية مثل كتيبة سمية بنت خياط في ريف دمشق "النبك", وكتيبة أُمّنا عائشة في حلب، وكتيبة بنات الوليد في حمص وبعض النساء اللواتي عملن بشكل منفرد في الجيش السوري الحر. 

ولم يقتصر دور المرأة على عمل محدد بل استطاعت ان تقوم بكل الأعمال رغم طبيعة المجتمع السوري المحافظ الذي يفرض عليها التزام بيتها وتربية أولادها وهناك سبب يجعل هذه الرؤية للمجتمع في أقصى درجات القوة هو معرفة الشعب لما يتميز به نظام الأسد وجنوده من الوحشية وانعدام الأخلاق والإنسانية ما قد يعرضها لكل المخاطر من القتل والاعتقال والتعذيب وحتى الاغتصاب فهذا النظام يقوم بكل هذه الأفعال دون أن يرف له جفن.

كما شاركت المرأة بدور كبير على المستوى الإعلامي ففي حالة المدونات رزان غزاوي ونقاء عبارة وروعة لاذقاني وشيرين الحايك اللواتي عملن في برامج التواصل الاجتماعي واستطعن أن يقمن بدور فعال في التعريف بالثورة وتغيير النظرة إلى المرأة فيها.

وكان هناك نساء مؤثرات وربما يملكن كاريزما الرجال بسبب الشهرة التي يتمتعن بها قبل الثورة والتي استطعن توظيفها لخدمة الثورة كأيقونة الثورة المرحومة الفنانة مي سكاف التي تعرضت للاعتقال والفنانة سمر كوكش التي بقيت في سجون النظام عدة سنوات والمرحومة الفنانة فدوى سليمان التي كانت تقود المظاهرات في حمص وغنت جنباً الى جنب في ساحات الكرامة مع الشهيد الساروت فقد وقفت المرأة إلى جانب الثورة رغم كل المضايقات والتهديدات التي تعرضت لها كما لانستطيع إغفال دور الأخريات كالكاتبة ريما فليحان ومرح البقاعي وفرح وسهير الأتاسي والناشطة التي غيبت حتى هذه اللحظة رزان زيتونة .

هذا غيض من فيض للناشطات في كل المحافظات السورية اللواتي أضفن نكهة خاصة للثورة فقد استطعن تقديم كل شيء وكن المحفز والمحرك الرئيسي للثوار فكم من أم شهداء في محافظاتنا بقيت ثابتة على مبادئها وكم من معتقلة لم تتزحزح بل ازدادت تصميماً وكم من أم ثوار في كل المحافظات يعرفها أبناؤها الثوار هناك لم تبحث عن المجد والشهرة ولا تريد الظهور بل تريد لأبنائها الثوار الذين تبنتهم بما تقدمه لهم من خدمات وعطف وحنان كون بعضهم لم يعد يملك أماً أو بعيد عن أمه ليجد هذه الأم التي ترعاه وتخاف وتحن عليه وتدعوا له بالثبات والنصر .

كل ما ذكرناه ليس جديداً على المرأة السورية التي هي سليلة مجد عبر التاريخ من زنوبيا إلى إمبراطورة روما إلى الشهيدة الاولى في الثورة زينب الحصني رغم مرورها ببعض الانتكاسات عبر التاريخ إلا أنها كانت دائماً حاضرة إلى جانب أخيها الرجل وقد تعرض دورها لبعض التراجع في الثورة السورية عندما ازداد التصعيد العسكري للنظام ولم يعد دورها كبيراً بسبب عسكرة الثورة كما أن سيطرة بعض الفصائل المتشددة كداعش وأخواتها أجبر المرأة على التراجع وقد تعرضت للقمع على يد هذه الفصائل كما قمعها النظام ولنا بابنة الرقة سعاد نوفل خير مثال على المقاومة لهذه الفصائل المتشددة التي قمعت الجميع.

  وقد ثمن الثوار مشاركة المرأة ولم يفرضوا عليها القيود بل كرموها وتجلى ذلك عندما أفردوا لها جمعة تحت اسم (حرائر سوريا) 13 أيار/ مايو 2011. وهذا الاسم أصبح ملازماً لذكر المرأة في الثورة السورية ولايذكر اسمها إلا مقروناً بالحرة إن كانت واحدة والحرائر إن كن مجموعة.

لقد قدمت المرأة الكثير ولعل الأرقام الموثقة تعطي تعبيراً أفضل فقد تم توثيق بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان 28076 شهيدة و10363 ممن لازلن معتقلات أو مختفيات قسرياً حتى نهاية عام 2019 ناهيك عن اللواتي تم الإفراج عنهن واللواتي لم يتم توثيق أسمائهن لأن الكثير من شهداء ومعتقلي ومختفي الثورة السورية لايزالون دون توثيق بسبب الصعوبة وعدم الشفافية والقمع الذي يتعرض له السوريون من كل الأطراف.

إنّ كل ما تم ذكره عن مشاركة المرأة في الثورة لا يصل إلى حقيقة هذه المشاركة التي كانت ولاتزال فاعلة على الرغم من محاولات البعض إهمالها وعدم تسليط الضوء عليها إلا في بعض الحالات الشهيرة لكن حقيقة الأمر أن ما قدمته النساء السوريات وفي كل المناطق وكل المجالات ومن كل الاطياف والمشارب ربات بيوت وعاملات وفنانات وكاتبات وناشطات ومعلمات يحتاج إلى الكثير من البحث والتوثيق ففي كل أنحاء سوريا لدينا خنساوات ونسيبات وخولات بعضهن ظهرن كزنوبيات جدد واخريات بقين في الظل بسبب من التعتيم الإعلامي والعادات والتقاليد المجتمعية التي تجعل المرأة دائماً في الصف الثاني وتغيب ما تقوم به علماً بأننا عرفنا في هذه السنوات الكثير من النساء اللواتي اقل ما يمكن أن يقال عنهن كماهو القول الدارج أنهن أخوات رجال.

مع ذلك فإن الحراك النسائي ليس كافياً لتغيير حال المرأة حتى وإن لعبت دوراً أساسياً في هذه الثورة ويجب العمل كثيراً من أجل تمكينها للمشاركة في رسم مستقبل سورية مع أخيها الرجل كعنصرين فاعلين في المجتمع على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات مع المحافظة على طبيعة كل طرف وقدرته على التقديم لأن المجتمع لايمكن أن يبنى على طرف دون آخر ولهذا فقد خلق الله الرجال والنساء ليقوم كل منهما بدوره في بناء المجتمع دون طغيان طرف على آخر وهكذا تستمر الحياة الصحيحة.

 

 

صفا عبد التركي

كاتبة سورية

 
 
Whatsapp