عبر التصور الإسلامي لا يعيش الإنسان مستقلاً بنفسه، منعزلاً عن غيره، وإنما يتبادل مع أفراد المجتمع الآخرين الولاية، بما تعنيه من الإشراف والتساند والتكافل في أمور الحياة، وفي شؤون المجتمع، والتكافل في الإسلام يعني التزام القادر من أفراد المجتمع تجاه أفراده. قال تعالى في وصف المؤمنين الصالحين " وَالَّذِينَ تبوؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "(9) سورة الحشر.
ومن العادات الإسلامية العثمانية المعروفة وخاصة في شهر رمضان أن يقوم بعض ميسوري الحال بزيارة أصحاب المحال التجارية وخاصة الغذائية منها ويطلبون من صاحب المحل أن يشتروا منه دفتر الديون حيث يسددون ما ترتب على ذمة جميع الزبائن الذين يأخذون حوائجهم بالدَّين، ويبدو أن هذه العادة الحميدة ما زالت متبعة في تركيا إلى يومنا هذا، وقد لمست ذلك بنفسي في ولاية دنيزلي التي أقيم فيها منذ سنوات والتي تقع غربي تركيا حيث أقدمت سيدة تركية فاضلة منذ أيام على زيارة بقال سوري في حي "دوكوز كفاكلار" وطلبت منه أن يخرج "دفتر الديون" ويجمع كافة المبالغ المترتبة على السوريين الذين اعتادوا أن يأخذوا حاجياتهم منه بالدَّين ريثما تتيسر أمورهم المادية وذلك لضيق ذات اليد وخاصة بعد أن تعطلت أعمال معظمهم بسبب إغلاق الكثير من المقاهي والمطاعم والأفران بعد الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة التركية بسبب انتشار "فايروس كورونا" وبالفعل فقد قامت تلك السيدة الفاضلة بتسديد كافة المبالغ الموجودة والمقيدة في الدفتر وأتلفته قبل أن تخرج من المحل دون أن تفصح عن اسمها أو هويتها، وقد أثارت الخطوة التي أقدمت عليها السيدة الفاضلة إعجاب الكثيرين بعد أن انتشرت قصتها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي واصفين ما قامت به أنه “لفتة إنسانية في زمن (الكورونا)".وهذه ليست العادة الخيّرة الوحيدة التي ما تزال متبعة في تركيا، فهناك عادات إسلامية قديمة أخرى مستمرة حتى اليوم ومنها أن يقوم الناس بالصعود إلى الجبال بعد هطول الثلوج لأيام متتالية ويقومون بنثر القمح والحبوب عليها كي لا تموت الطيور البريّة من الجوع، وأول من طالب أهالي تلك المناطق بهذا الفعل هو الخليفة "عمر بن عبد العزيز" حيث قال هذه العبارة: انثروا القمح على رؤوس الجبال كي لا يُقال جاع طير في بلاد المسلمين. والقصة معروفة.
نعم هو ذا ديننا القيّم، وتلك هي أخلاق المسلمين فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:" مثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
محمد علي صابوني
كاتب سوري