شمعة تذرف الدموع فوق الشمعدان، وشموع في حنايا روحنا تتسلل بين التنهيدات، تحاول أن تنير ظلمات الليل الحزين، لتلهب شغاف قلوبنا وتوقظ الذكريات، وأية ذكريات!
هل نحن أحياء حقاً أم نتنفس فقط؟ الأوطان نأت والأحبة فقدناهم، والألم يذكي النار في الأحشاء، هذا طقس القسوة المتزامن مع حجر الصوان، الذي أطفأ آخر لهب في مصباح العدالة، مللنا من انتمائنا للبشرية نريد عدالة إنسانية، فقلوبنا في خطر، انحنت هاماتنا واغتال الصمت عبراتنا، ولم يتبق من ربيع أعمارنا سوى الجفاف، تعانقت الأنفاس والأرواح بعد أن اغتالت الأحزان ماضينا وحاضرنا، الوجع امتد لأعماق العمر.
يطوق قسراً كل المسافات ويبعثر شذرات نبضنا على وتر الغياب، تهنا في سراديب الظلام وغرقنا في فنادق الأحزان، والألم متربص بنا لا يفارقنا، وأحزان القلوب مرغمة على صبر طويل، فالوجد يكوي القلوب، جراح لن تندمل طالما عرشك يا وطن لم يكتمل، على شطآنك ترسو لحظاتي الجميلة، وتضيء كياني وكل آفاقي فأنت ترياقي، فاض الحزن وتسربل الليل بدم الشفق، نامت الطحالب فوق الجفون والشمس حبست النجوم، وكرام النفوس رماهم الزمان بكل باغ أليم، والعاصفة الهوجاء اقتلعت الابتسامات وهزمت الأفراح ودمع العين أصبح أنهراً وودياناً، الشهيد امتطى عرش الشهادة بعد أن تساوى النور بالظلام، طوبى لمن غدت الجنة مطلبهم، لكن وريده لن يتوقف عن النزف إلا بفك قيود الأبطال لتعود ضحكة الأطفال، وتمسح دموع الأمهات، وليطفأ الجمر في قلوب الآباء، وتتعالى ضحكات الصبايا في كل الأرجاء.
من يشتري أوجاعنا ويستمع لحكايات ضياعنا، من يحملنا بعيداً عن رائحة الموت بكل الألوان، أغرقتنا أمواج البحار وعادت لترمينا على شواطئ المنافي، واللوعة أنطقت الجراح! جراح لم تندمل إلا برجوعك يا وطن، ففي أذهاننا وقلوبنا وطن نحيا له، فقد دفعنا مهره غالياً من دماء شهدائنا ومن سرقة ضحكة أطفالنا، وغصة الآباء ودموع الأمهات، وصمت الطيور، تلظت الجراح ولن تندمل، وانطفأت ابتسامات العمر، هرب الفرح وتساوى النور بالظلام، وذوت سنين العمر، تجار الدم سرقوا منا الزمان، رهنوا الشمس وشنقوا التاريخ وباعوا أنجم الليل، والبحر أضاع حنين شواطئه، وابتعد القمر معلناً الحداد.
لحين أن نعيد للوطن كرامته وللأمهات دمعاتهم ونمتص غصات الآباء لتعود ضحكة الأولاد وتخرج الطيور عن صمتها، ويطمر الأوغاد، عد أيها القمر، لن نتخلى عنك كما تخلى العالم كله عنا، سنعيد الوطن ونعود إليه سنبقيه بين الجفون، ونهديه ما تبقى من حياتنا، أولادنا لا تحزنوا فللبحر مد وجزر، سرقوا ثوب الحقيقة من وطنكم! سيعود صوت الحق ولتنحني الحروب بهمتكم وابتسامتكم وصرخاتكم العبقة ستخططون طرقاً جديدة وترسمون دروباً معطرة بالأساطير مزينة بالياسمين، ولتخبروا العالم بأننا أمة رقصت فوق هامتنا النجوم وعصفت الرياح بنا ورمتنا بعيداً عن أرضنا وتراب الوطن، حتى الأمطار خانتنا وبعثرت أشياءنا التي ظفرنا بها بعد هجر وقهر، والثلوج أخذت منا ما تبقى من دفء
فأعلن القمر حداده علينا.
إلهام حقي
رئيسة قسم المرأة