لم أكن حافي البيان أو أتسول اللحظة لأنشر ما آل إليه الزمن، تفسخت القيم وتعفنت الأخلاق وبات الخير يقابل بالشر ويقتل صانعه من داخله وتشارك في قطع الأيادي البيضاء سوداوية الأحقاد.
كلمات مبهمة الهدف، تفيض كآبة وتحسرُ عن ساقها التأويلات لتكشف غموضاً آخر، وبين المسارين يتردد صدى الندم، ولكن لا مناص من التسليم للواقع ببدهية الأخلاق التجارية، فأين الربح يرى تهدم المبادئ وتجمد الضمائر أو تكبل لحين استعادتها من أجل تمرير قسم أو تزوير قلم.
وعودة إلى ما ذهبتَ إليه وأطنبتَ من حيث مفاهيم الدائرة وأقطارها المتشابكة، مؤلفة زوايا تناسب الطلب، حادة أو منفرجة، ومستقيمة تلائم ما صنعت من أجله مراعاة لاستقامة الهدف أو اعوجاجه، أجدني مدفوعاً لتعليل آلامي، ألحق البسمة الباردة بمنخفض النفس، لعل اختلال الطقوس الأخيرة تهطل لا مبالاة بما وصلت إليه حالة الضحك من الطيبين، وفي قرار الاحتيال ضمير متجمد.
لا شك أني أوافقك وأخالفك، فعالم النفس عندما يشرع أبواب الجنون ويطرح على قارعة الانتظار حالات مرصودة إنما يترك فسحة من جنونه للعابرين، ومن يدعي أنه مجنون فهو عاقل بامتياز.
كأني أدخلتك في نفق وأخرجتك إلى دهليز، أعترف بهذا ولكن عذرك أستميحه، فهي مثال صارخ لما أنا فيه، ودليل واضح لما عشته من كمد وعذابات تذرع صبري لتجعل منه حصيراً.
إن علم النفس وضع النقاط جانباً والكلمات تنتظر يوم زينتها، والخبير بالتنقيط والتزيين ذكراً كان أم أنثى، هو/هي الموكل بهذه المهمة لنصل إلى نتيجة واحدة عن أهمية الزخرفة للقراءة، وكشف أهمية سقوط حرف من أجل الوصول للجاذبية وقانونها، وإن ابتلع البحر شعراً أو تفعيلة فلا بد من تطبيق قانون أرخميدس على الوضع الآيل للغوص.
جنون بامتياز، أعرف ما يدور في فلك عصبيتك، أسمعك وكلي آذان مصغية، وإنما الحال من المآل، وضربة الورد أحيانا تقتل كمداً فيما يعجز السيف عن تحقيقه في ضربة صاعقة.
هكذا كنت والدافع جاذبية أنثى وقدرة على تطبيق قانون الطبيعة البشرية على النفوس، والنتيجة خسارة وانهيار في جانب، وربح وبناء قصور في جانب مقابل للأول، وبين الشكلين أو التشكيلين يكون الحزن والفرح، وكل يذهب بما اكتسب.
دناءة أن تصدق كل صيحة، وفاجعة أن تشافه الجرح بالدعاء، وجريمة أن تستغل القلوب لأجل مدمَّى.
وللجنون فن آخر قادم.
محمد إبراهيم الحريري
شاعر وكاتب سوري