تكمل الثورة السورية هذه الأيام عامها التاسع لتدخل العاشر فماهي حصيلة هذه السنوات من كافة النواحي؟ وأين هي الثورة؟ وهل بقي منها شيء؟ عشرات الأسئلة التي يمكن طرحها والبحث عن إجابة لها فما الذي حدث في هذه السنوات؟ ولماذا كل هذه الانتكاسات؟
للإجابة على هذه الأسئلة لابد من النظر إلى الخارطة على الأرض وكيف تحولت الأرض من جهة لأخرى فلماذا كل هذا التراجع؟ ثم كيف تحولت الأمور من سيء إلى أسوأ؟للإجابة على الكم الكبير من الأسئلة علينا العودة إلى البدايات وكيف كانت الثورة في المسار الصحيح عندما كانت سورية خالصة وسلمية وكيف ساهمت التحولات التي طرأت عليها والدعم الذي تلقته من هنا وهناك بالإضرار بها وحرفها عن مسارها لأن أغلب الدعم كان مشروطاً ومربوطاً بأجندات دول أخرى وأدلجة واضحة لهذه الثورة لقد بدأ التراجع منذ عام 2013م ففي هذا العام تم حرف الثورة عن مسارها الصحيح وذلك بسيطرة الجبهة والفصائل الإسلامية على أغلب الحراك العسكري، علماً بأن هذا الشيء قد تم العمل عليه منذ بدء ربط الدعم ليس بتوجهات الفصائل السياسية فقط بل حتى باسم الفصيل، عندها بدأت كل الأسماء تدور في فلك الشعارات
كما تم إنهاء الجيش الحر لصالح هذه الفصائل بعد أن بدأ التضييق على الضباط وقيادة الفصائل المتبقية من هذا الجيش من قبل بعض غير المنضبطين ورب قائل يقول إن الأسماء هي رموز تاريخية نفخر بها فهي أسماء صحابة وخلفاء وأبطال مسلمين لكن السؤال الذي يطرح وإن سلمنا بهذا القول جدلاً هو ما الفرق بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن وأسود السنة والله أكبر، ليس للتقليل من هذه الأسماء إنما لمعرفة ما حصل، وجميعنا نعرف أن بعض هذه الفصائل لا يملك من هذه التسميات إلا الاسم، كما أنه تم وضع شرعي لكل فصيل وأغلب هؤلاء الشرعيين هم اسم بلا فعل حيث أنه تحت إشرافهم ومسامعهم تم ارتكاب الكثير من الخطايا وليس الأخطاء كما أنه من غير المعقول أن لا يكون هناك أي مسمى لرمز وطني جامع أو حتى لأوائل الشهداء ومن كل الطوائف والأديان والأعراق .
ما حدث في الجانب العسكري انسحب إلى الجانب السياسي فلم تفرز هذه الثورة قياداتها الحقيقية من داخلها كما هو الأمر في كل الثورات فإن القيادات تكون إما سابقة للثورة وهي من أعدت لها وهذا لا ينطبق على الثورة السورية أو هي نتاج الثورة وهو مالم يتم في الواقع على الرغم من وجود بعض عناصر التنسيقيات في جسم المعارضة إلا أن أغلب من ركبوا الثورة وتصدروا المشهد السياسي في كل تشكيلاتها هم نتاج الدعم ، وليس لهم وزن أو فعل حقيقي على الأرض كما أن أغلبهم لم يتجاوز الطفولة والمراهقة السياسية إن لم نقل عنه أنه ساذج سياسياً ولايملك من فنونها وعلومها شيئاً رغم أن بعضهم يملك الشهادات العليا في علومها إلا أن السياسة هي ممارسة وخبرة وليست بالشهادات ولم توظف المعارضة السياسية أغلب السياسيين المنشقين عن النظام لخدمة المشروع الوطني وذلك لارتباط هذه المنظومة التي تسلطت على كل التشكيلات من المجلس الوطني إلى الائتلاف ولجنة المفاوضات وانتهاء باللجنة الدستورية وماحول هذه التشكيلات من هيئات ومنصات أنشئت هنا وهناك وسميت بعضها بأسماء العواصم التي أنشئت فيها وأغلبها إن لم نقل كلها مرتبطة بأجندات تلك الدول . لهذا فقد استطاع فريق من هذه المعارضة سلب القرار من الجميع وهذا الفريق من نستطيع أن نطلق عليهم الفهلويين الذين استغلوا بحنكتهم وقدرتهم على تسويق أنفسهم وارتباطهم بهذه الدولة أو تلك وبناء عليه لايزال التشرذم مستمراً والمنصات والمؤتمرات تزداد يوماً بعد يوم في ظل غياب استراتيجية واضحة من الجميع تعمل لمصلحة سورية وشعبها لا لمصلحة الأفراد ومشغليهم.
هذا التخبط العسكري والسياسي أدى إلى تراجع الثورة في سورية واقعياً إن كان على مستوى الأرض التي كانت عام 2013م أغلبها بحوزة المعارضة وقد بلغت نسبة الأراضي التي تسيطر عليها حوالي 70% من مساحة سورية ولم تستطع أن تقدم فيها أي نموذج لمؤسسة تعتبر شكلاً وإن كان جنينياً من أشكال مؤسسات الدول ونتيجة لهذا التخبط في الإدارة ولانحراف الثورة على المستويين العسكري والسياسي عن مسارها الصحيح وتناقض فصائلها العسكرية وقياداتها السياسية خسرت حاضنتها الاجتماعية بسبب التناقضات الإثنية والدينية ونتيجة لسيطرة وطغيان فئة واحدة من المجتمع لكونها الأغلبية.لتتحول الثورة بدلاً من أن تكون ثورة السوريين جميعاً إلى أن تصبح خاصة بالعرب المسلمين والسنة تحديداً حتى وإن كانوا غير منسجمين فيما بينهم وهذا ما جعلها تخسر أغلب الأراضي نتيجة لعدم وجود قيادة موحدة فتراجعت السيطرة على الأرض إلى حوالي 10% من مساحة سوريةومازال النزيف مستمراً.
على ضوء ما سبق وكنتيجة حتمية الآن ونحن نقترب من الذكرى العاشرة،هل نستطيع أن نعيد الثورة إلى مسارها الأول؟ وهل نستطيع تجاوز كل ما مضى؟ وهل نستفيد من أخطائنا؟ وهل استطعنا مراكمة الخبرات أم مازلنا حبيسي فرديتنا؟ تلك الفردية التي تربينا عليها وعكسناها في جميع أعمالنا وأفعالنا لقد أثبت السوريون دائمًا انهم ناجحون كأفراد ولكنهم فاشلون في العمل الجماعي وهذا ما نجح النظام في زرعه فيهم طوال السنين التي تسلط فيها على سورية.
بقي علينا أن نقول ألا يحسب العمر بعدد السنين ويتغير الحال من عمر لآخر فهل نتوقع أن ثورتنا بلغت سن الرشد.قد يكون هذا صحيحاً من الناحية الشعبية فرغم كل الانتكاسات والخسائر والمآسي التي مرت على السوريين إلا أنه من المؤكد أنهم لن يعودوا إلى ما قبل 2011م وستستمر الثورة وتنتصر لأن جذوتها في نفوسهم لاتزال مشتعلة وسينتجون القيادة الحقيقية التي ستغير ليس النظام فقط بل حتى المعارضة.
عبد التركي
كاتب سوري