أطفئوا الأضواء ما عادت العتمة ترعبنا، وهناك من عبث بعقارب الزمن، بتنا في خذلان، سلبت أفراحنا وبقيت دمعة وذكريات، ورافقتنا سحب الآلام وتوقفت تفاصيل عمرنا معلنة الاستسلام، مؤلم أكثر حين تتألم ولا تجد أحداً بجوارك، نرحل غرباء ومحال أن تمتد إلينا يد حانية تنتشلنا من هذا البركان، تاه البشر، والسماء فقدت المطر، نتفقد ملامحنا ليس هناك أثر، ما أجمل الدنيا بقرب الأوفياء الأصدقاء الأهل الجيران وبائعو الخبز والخضروات، انهارت في لحظة أرقى العلاقات، ليس هناك من يمسح جبينك ويمسك يدك وأنت تتشبث بالحياة، وإن فارقتها تتوقف تفاصيل عمرك في لحظة وليس هناك من يعرف ما هي آخر الأمنيات ولا نظرة من بعيد تمنحك الأمان، الكل مفزوع بعد أن تساوى النور بالظلام، محنة وامتحان وهبوب عاصفة في كل الوديان، والروح في قحط وجدب والصقيع استوطن الأوردة وسرق الأنام، لكل الأشياء طعم كالعلقم والوجع خريفي والبحر قطرة أمنيات، الروح تغلي والنجوم لازالت محلقة في السماء تسري في فلكها، ترصد أرواحنا وهي تتعانق في السماء؟، ألا من غيث ينعش الأرواح؟ حضن دافئ، جبل صامد، شجرة وارفة، قمر مضيء أو حتى بلسم للآلام، ما أجمل الدنيا برفقة الأحباب، علاقات تسكن الألباب، جسور ممتدة بين القلوب هي تلك أعمدة الوفاء نبع متجدد وثروة لا تقدر بثمن، هل يعود الزمن للوراء؟
وباء خطير خرج كالبركان، فجر الموت، هز العروش، شن حرب ضروس على كل البلدان، وألزم الناس بيوتهم خوفاً من نار هشيم تفوق أسلحة الدمار، فحياتنا لحظة ترف تذهب بلحظة شهيق أو زفير، لا ينفذ إلا من وضع وشاحاً من التسامح والمحبة، سيذهب مبتسماً تاركاً وراءه كنزاً من الطيبات، فالمحبة تسكن الأوصال، أوصدوا الأبواب خلفي أصبحت في عالم الغياب، تاهت ألوان عمري وسقطت كل الذكريات.
يا وطن المحبة رمموا وراءنا شرخاً رسمه الزمان، يا أحبتنا في كل مكان رحلنا وحملنا معنا خيباتنا، ولكن في خبايانا حملنا صور الأحبة ملفوفة بكل الألوان، اصنعوا من بعدنا بلاداً بلا حدود، وفضاءً بلا ضفاف، تخلصوا من أصفاد الغربة بالصبر واللهفة والأحلام، تخلصوا من طفولة موسومة بالعطش والاشتياق، واخبرونا كيف بإمكاننا الحصول على صولجان الأفراح؟، لا تلهثوا مثلنا وراء جمر بل اكسروا عطشكم وأرووا فؤادكم بالحب والوفاء، ابنوا جسوركم بين الغيمات، وعانقوا البحر في كل الأوقات.
لا تبكوا علينا فدموعكم صادقة على خد مشتاق، بل انثروا الورود في كل مكان ورشو العطور وزينوا بلادكم بكل الألوان وكللوها بقوس قزح لتعانق السماء، لتسكن المحبة شرايينكم أدمنوها ولا تفرقوا فالحياة خلقت للأحبة والنقاء، لا تستسلموا وانسوا مدن الأحزان، ولتكن الابتسامة مرافقة لكم مهما قسى الزمان، اكتبوا قصائدكم بكل اللغات، أسرفوا بالورق والألوان، فالسلام الذي ادعوه كان مزيفاً وديمقراطيتهم قتلت الأوطان، بدلوا الشعارات والأماني بالحقائق والأفعال،
وارفعوا علماً واحداً بكل الألوان كتب عليه الإنسان.
فريال إسماعيل
كاتبة سورية