رمضانيّات عربية


 

رمضان سوريا .. والدم المراق !

   في رمضان تختلف طبيعة الحياة، تتغيّر عاداتنا وتقاليدنا لندخل في طقوس شهر خاص قد نتفرغ فيه أكثر للانفراد بأنفسنا والتفكير بما كنّاه وما صرنا إليه0

   ينشغل بعض الناس بشراء الطعام وإعداده، وبملاحقة المسلسلات والبحث عن مخارج للّهو، وعن مسوّغات لتفريغ الغضب.

   الطرق تزدان والفوانيس تضاء في الشوارع، وتعلق الزينات، والناس لا تنام، وكأن الدنيا بمجيء رمضان أعلنت عن حركة دائبة بين البشر.

   كل شيء من حولنا يبدو جميلا، وكل الوجوه ممتنة ومبتسمة وسعيدة، وكأن الدنيا ازدانت في أبهى صورها.

  لم تعد بعد للسوريين فرحة الشهر الفضيل وتكاد تختفي ملامح رمضان وأجواؤه المشبعة بالروحانيّة والحبور، وبطقوس الحفاوة المعتادة والعادات الاجتماعيّة الأصيلة، وتبادل الزيارات والولائم والموائد المزيّنة بما لذّ وطاب من أصناف الطعام والحلوى وشتّى مظاهر الاحتفال.

 حالة من الوجوم والحزن تسيطر على السوريين مع بداية شهر رمضان الكريم، بعدما اقتحمت قوات الجيش المدن السورية والأرياف ودمّرت معظمها. الغلاء الفاحش ونقص الموارد، وحصار السلطة للشعب، هو السمة الأساسية لرمضان هذا العام.

  إن سوريا تشهد حرب تطهير طائفي، والنظام ربط بين إبادته الصريحة وهلال رمضان. إنها حرب على الهوية ضدّ معتقدات الشعب السوري. لقد قال الملحق الصحفي الأمريكي جيه جيه هاردر لرويترز: السلطات تعتقد إنها تستطيع بطريقة أو بأخرى إطالة أمد بقائها من خلال الانخراط في حرب شاملة ضد مواطنيها.

    وأظهرت لقطات بُثت على وسائل إعلام اجتماعية أجزاء كبيرة من المدن يغطيها الدخان ومجموعات مذعورة تحيط بجثث القتلى أو الأشخاص المصابين في الشوارع مع تصاعد إطلاق النار. 

      وطردت السلطات السورية معظم الصحفيين المستقلين منذ بدء الثورة كي لا يرى العالم فداحة ما تقوم به من قتل واعتقال وتهجير. فغدا رمضان غريباً في الحواري السورية، لأن معظم الأجواء الرمضانية والتقاليد الحميمة تغيب عنه هذا العام.

العراقيون في شهر رمضان

       لرمضان نكهتُه لدى المسلمين في كل الديار العربية والإسلامية، ولهذا الشهرِ الفضيل في العراق طعمٌ مميز آخَر، لا تجده في غيره من الشهور الأخرى، وأهل العراق لهم عاداتُهم في استقباله قبل مجيئه أولاً، وصيام أيامه حين يُطلُّ ببركته عليهم، وعادات في توديعه حين يشدُّ الرحال في الأيام الأخيرة، وهذه العادات بعضُها مُتوارَث عن العثمانيين أيامَ ولايتهم على العراق، وبعضها طبائع تجذَّرت في نفوس العراقيِّين خلال عقود طويلة.

      فمن تلك العادات : مِدفَع رمضان أو (الطوب) بالتركيَّة، والأصل في حكايته أنَّه يعود الى العصر العثماني؛ حيث كان يُستخدَم هذا المدفعُ لتنبيه أهل بغداد بموعد الإفطار، وذلك بإطلاق إطلاقة صوتية في الهواء، وكان السبب في استخدام المدفع هو انعدام الإذاعات ووسائل الإعلام آنذاك، وبقي هذا المدفعُ إلى يومنا هذا تقليدًا تَحرِص وسائل الإعلام العراقية الرسميةُ وغيرها غلى التمسُّك به، إلا أنَّ مِدفَع اليوم هو رسمٌ ثلاثي الأبعاد مُصمَّم بـ (الكومبيوتر)، وينتظره الأطفال خاصَّةً بشغفٍ منقطع النظير قبل آذان المغرب مباشرةً.

     ومن عادات أهل العراق في رمضان كثرةُ التزاور فيما بينهم في رمضان وإقامة الولائم العائلية، وكذلك يتميَّز العراقيون بإخراج الطعام قبل الإفطار إلى الجيران فيحصل تبادُلٌ رائع بأطباق الطعام المختلفة، حتى يجد صاحب الدار الواحد أن ليس في سفرة طعامه مما صنَعه هو إلا القليل، أما الباقي فهي أطباق منوَّعة جاءت من هنا وهناك.

     ومن عادات العراقيين أيضًا الإفطارُ على أسطح المنازل في نوع من تغيير الجو الداخلي للمنزل، ولكن هذه العادة اندثرت بعد الغزو الأمريكي الغاشم وتحليق مروحياته ليلَ نهارَ في سماء العراق، وكذلك الإطلاقات النارية الطائشة التي أصبحَت سِمَة العراق في عصر الفوضى، فعكَّرت هذه الأحداث صفوَ الأيام الخوالي.

     أمّا المساجد، بعد أن انشغلت قبل رمضان بصيانة دورية مكثَّفة للإنارة وأجهزة التكييف، فتعيش أجواء مميَّزة في رمضان بطبيعة الحال فتمتلئ بالمصلين، كما أنَّها تَنشَط في مُسابقات فكريَّة توزَّع خلالها جوائزُ ومصاحف وكتبٌ للفائزين في جوٍّ إيمانيٍّ وتنافُسي ماتع.

      وتُقام موائد إفطار الصائمين في المساجد؛ بعضها من نفقات المسجد، وبعضها مما يَحمله المُحسنون، وأشهى موائد الإفطار عند العراقيين هو التمر العراقي، والمعروف بـ (تمر البصرة) أو (الخستاوي) واللبن، كما تشتهر موائد العراقيِّين في رمضان بشراب (النومي بصرة)، وهو شرابٌ مميَّز يحتسيه العراقيون عند السحور والإفطار، ويقولون عنه: إنَّه دواء للصداع.


 

د محمد جمال طحان

 

Whatsapp